مرت أمس الأربعاء 5 يونيو وأول أمس الثلاثاء 4 يونيو الحالي ذكرى حرب يونيو 1967 ال57 وذكرى اجتياح لبنان عمومًا واحتلال عاصمته بيروت ال42، الأولى ذكرى هزيمة نكراء للجيوش العربية ال3 مصر وسوريا والأردن، التي تركت بصمات قاسية واليمة على مستقبل الامة العربية كلها، والثانية ذكرى صمود تاريخي سجلته الثورة الفلسطينية المعاصرة والحركة الوطنية اللبنانية، الذي استمر 88 يومًا، وكان القتال بين القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية من جهة والجيش الإسرائيلي بكامل قوامه المجوقل يحسب بالشبر والمتر، ولم تهزم قوى الثورة، رغم خروج المقاومة الفلسطينية من الساحة اللبنانية الشقيقة، الذي فرض عليها استجابة للأشقاء اللبنانيين. 
وفي ظل حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب العربي الفلسطيني في كل بقعة من أرض الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967 عمومًا وعلى قطاع غزة خصوصًا للشهر التاسع على التوالي من قبل الولايات المتحدة واداتها الوظيفية إسرائيل وحلفائهم من الغرب الانكلوسكسوني والفرانكوفوني، والتي لم يشهد تاريخ الصراع العربي الصهيوني مثيلاً له خلال عقود الصراع الطويلة منذ 76 عامًا خلت، ويعتبر امتداد الصراع الهمجي واللا أخلاقي والمنافي لأبسط معايير القانون الإنساني الدولي أحد تداعيات هزيمة العرب الساحقة عام 1967، وانكفاء وتراجع وتفكك المنظومة العربية الرسمية بشكل مريع في اعقاب حرب الخليج الثانية مطلع تسعينيات القرن الماضي، التي بلغت مرحلة التطبيع المجاني مع دولة إسرائيل اللقيطة والخارجة على القانون، ولا أريد الذهاب أبعد من ذلك،  فأهل النظام العربي عن الاسهام بدورهم في وقف حرب الإبادة الجماعية ضد أشقائهم في فلسطين المحتلة، ونجم عنها حتى الان استشهاد وجرح وفقد ما يزيد عن 130 ألفًا من الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء عمومًا، وتدمير مئات الآلاف من الوحدات السكنية والمدارس والجامعات والمعابد والمراكز الثقافية والمؤسسات الرسمية وإخراج الغالبية العظمى من المستشفيات والمراكز الصحية ونشر الأمراض المعدية والاوبئة والتجويع القاتل، والتدمير الهائل للبنى التحتية بكل مسمياتها.


وفي ذكرى الحربين إضافة لحربي الخليج الأولى والثانية وما نجم عنها جميعًا من سلبيات وايجابيات وتداعياتها، ليس المطلوب نكء الجراح والتذكير بنتائجها الخطيرة على المشهد العربي عمومًا وقضية العرب المركزية خصوصًا، إنما الضرورة تملي التوقف أمام ما يتوجب على الاشقاء العرب مع التفاوت النسبي بين نظام وآخر. لاسيما وأن هناك مسؤوليات على الأنظمة المركزية والمالكة لعناصر القوة في الوطن العربي اعلى وأكبر من الدول الأخرى تجاه شعوبها وتجاه الشعوب العربية كافة وتحديدا الشعب العربي الفلسطيني، منها: أولاً آن الأوان أن يسعى القادة العرب لإعادة الاعتبار للذات العربية عمومًا ولكل نظام سياسي على حده؛ ثانيًا العمل على الخروج من نفق التبعية للولايات المتحدة ودول الغرب الامبريالي، وإقامة علاقات ندية مع الجميع؛ ثالثًا ترميم الجسور الحقيقية بين الدول العربية المختلفة على أساس القواسم المشتركة السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والتربوية والثقافية والإعلامية والعسكرية الأمنية لحماية الامن الوطني والقومي؛ رابعًا وقف سياسة التطبيع المجاني مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية النازية استنادًا إلى مبادرة السلام العربية 2002 وفق محدداتها ال4 الأساسية واولوياتها المعروفة؛ خامسًا استخدام أوراق القوة العربية الناعمة لوقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، التي تهدد مصير العرب جميعًا، وليس الفلسطينيين فقط؛ سادسًا تقديم الدعم المباشر دون انتظار املاءات وقرارات الإدارات الأميركية لدولة فلسطين المحتلة، التي تقوم إسرائيل المارقة بالقرصنة على أموال المقاصة الفلسطينية، وتفعيل قرارات القمم العربية السابقة بتأمين شبكة أمان مالية؛ سابعًا تعزيز الديمقراطية في الدول العربية المختلفة، وإطلاق طاقات الشعوب العربية بحرية لمساندة اشقائهم في فلسطين أسوة بثورة الرأي العام العالمي الداعم للشعب الفلسطيني؛ ثامنًا وقف الحروب البينية داخل الدول العربية وفيما بين العديد من الأنظمة، في السودان وليبيا وسوريا والصومال والمغرب والجزائر.


وعلى صعيد آخر، تفرض الضرورة الوطنية والقومية استنهاض قوى حركة التحرر الوطني العربية، والخروج من حالة الموت الاكلينيكي، والسعي لتمثل دورها الريادي، وإعادة الحياة والاعتبار للمشروع القومي العربي النهضوي برؤى جديدة تستجيب لتحديات المرحلة، كي ترقى قوى التحرر الوطني العربية لمستوى المسؤوليات الوطنية أولاً والقومية ثانيًا، بما يؤهل العرب جميعًا لاحتلال موقعهم تحت الشمس أسوة بشعوب وامم الأرض قاطبة. 
لدى الأشقاء العرب أنظمة وشعوب كل ما يؤهلهم للارتقاء بمكانتهم الوطنية والقومية من طاقات وامكانيات وثروات مالية واقتصادية وعسكرية وأمنية وثقافية وتربوية وإعلامية وحضارية، ولا ينقصهم سوى الحكمة والشجاعة في تفعيل القرارات السابقة واتخاذ القرارات الجديدة وفق معايير وشروط الواقع الراهن، ومن خلال استشراف افاق المستقبل.