بقلم: معن ريماوي

في الثاني عشر من نيسان الماضي توجه الصحافي سامي شحادة من مدينة رفح باتجاه مخيم النصيرات وسط قطاع غزة بالتزامن مع بداية التوغل البري للمخيم، لتغطية حركة نزوح المواطنين، لكن لم يسعفه الزي الصحفي الذي يرتديه، والشعار الملصق على مركبته من إطلاق الاحتلال قذيفة نحوه، تسببت بإصابته بشظايا في قدمه، وأخذ شحادة (36 عامًا) يزحف للاختباء من القصف العشوائي المتزايد في المكان، وخلع حزامه ولف به قدمه في محاولة منه لإيقاف النزيف، وبقي يصارع الوقت علَّ أحدهم يأتي لإسعافه، ونقله إلى أحد المستشفيات القريبة، مضت بضع دقائق حتى اقترب عدد من الصحافيين نحو شحادة الذي بقي مستيقظًا، ونقلوه على الفور في مركبتهم إلى مستشفى العودة شمال القطاع، ومن ثم إلى شهداء الأقصى في دير البلح، حيث شخص الأطباء إصابته بتهتك في الأوردة، والأعصاب، والعظم، ما اضطرهم لبترها، في الوقت الذي فقد فيه قرابة تسع وحدات من دمه.

يقول شحادة: إن الأيام مرت ثقيلة عليه، وغاب عنه النوم في ليال كثيرة من شدة الوجع والألم، ولم يستطيع النوم إلا ساعات قليلة، مؤكدًا أن القذيفة التي أصابته كانت بشكل متعمد، بهدف قتله ومنعه من تغطية جرائم الاحتلال، معتبرًا أن العدوان على قطاع غزة يعد الأعنف والأكثر دموية في العصر الحديث، مضيفًا إلى أن واقع الصحافيين في قطاع غزة خطير للغاية، حيث يخرج الواحد منا لتغطية مكان توغل أو قصف، أو سقوط شهداء وجرحى، وهو يعلم علم اليقين أنه قد لا يعود حيًا، أو قد يتعرض لإصابة بليغة، رغم الزي الصحفي الذي يرتديه، والذي بات اليوم مجرد لباس عادي "لا قيمة له" في نظر الاحتلال.

وأشار شحادة إلى أن العمل اليوم بات صعبًا، فقد تمر عليك أيام تكون فيها في وقت النزوح بحاجة ماسة لمساعدة عائلتك وأقاربك، لتوفير خيمة لهم، أو توفير مقومات الحياة، أو أن تذهب لمهنتك الصحافية، وهذا يزيد من العبء الملقى على الصحفي ويرهقه نفسيًا وجسديًا، ويجعله يعيش في سباق مع الزمن  لاستكمال علاجه من خلال السماح له بالسفر للخارج للعلاج، وتركيب طرف له، ومن ثم العودة لاستكمال عمله الصحافي وتوثيق جرائم الاحتلال، فهذه المهنة اختارها بنفسه رغم خطورتها.

ويصادف اليوم السبت الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الزميلة شيرين أبو عاقلة برصاص قوات الاحتلال، خلال اقتحامها مدينة جنين ومخيمها.

ويستحضر شحادة جريمة اغتيال واستهداف شيرين التي تختصر جريمة اغتيالها أمام الكاميرا ما يتعرض له الصحفي الفلسطيني من استهداف مباشر.

ويُذكر أنه قبل إصابة شحادة بنحو ساعتين، توجه الزميل محمد الصوالحي الذي يعمل مصورًا في شبكة "CNN" الاخبارية لذات المكان لتغطية جرائم الاحتلال هناك، وأصيب بشظية مدفعية في يده تسببت بكسور بأصابعه، وموت العصب فيها، لكن رغم الإصابة لم يتوقف الصوالحي عن إكمال عمله، حيث أخذ قطعة قماش ولف يده بها، وأمسك كاميرته، وقام لتصوير مشاهد القصف وحركة نزوح المواطنين، وبعدها تم نقله لمستشفى العودة، ومن ثم لمستشفى شهداء الأقصى، وبعد نحو ساعة تقريبًا، وصل خبر إصابة سامي شحادة لصوالحي الذي لم يتردد في الخروج والذهاب لمستشفى العودة من جديد، للقيام بعمله وتغطية إصابة زميله، ونقلها بالصوت والصورة، رغم إصابته.

ويقول صوالحي: دائمًا هناك ألم، ووجع في يدي، لكن أحاول أن أتأقلم على ذلك في الوقت الذي نعاني فيه من شح الغذاء والدواء، لكن رغم ذلك سأستمر في عملي حتى آخر نفس، مشيرًا إلى قيامه بتغطية المجازر التي ارتكبها الاحتلال في عدة مناطق في القطاع، والتي أدت إلى استشهاد نحو 30 مواطنًا، مؤكدًا أن هذه المهنة هي مهنة اخلاقية تحتم علينا أن نقوم بها لنقل معاناة شعبنا للعالم أجمع، رغم وجعنا وألمنا، ويختم حديثه قائلاً: بأنه ليس هناك فرق هذه الأيام بين الصحافي، والطبيب، والمواطن، الكل في نظر الاحتلال هدف يجب التخلص منه.

ومنذ بداية العدوان على شعبنا في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، استشهد 135 صحافيًا، منهم 33 منذ بداية العام الجاري يضاف إليهم 102 استشهدوا نهايات العام المنصرم، فيما استشهد زميل واحد في مدينة طولكرم، و33 عائلة من عوائل الصحافيين نتيجة قصف بيوتهم، وإصابة 48 صحافيًا بالرصاص العام الماضي، و18 العام الجاري، عدا عن اعتقال 100 صحفي وصحفية، تبقى منهم 50 رهن الاعتقال، حول معظمهم للاعتقال الاداري، فيما لا يزال 4 صحافيين في عداد المفقودين، إضافة لاستهداف 77 منزلاً للصحافيين بالصواريخ وقذائف المدفعية.

وقال رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحافيين محمد اللحام:  من المفارقات لمجريات جرائم الاحتلال هو أن عدد الشهداء أكثر من عدد الجرحى، حيث يتضح في الربع الأول من بداية العام ارتقاء 31 شهيدًا، بينما جرح بشظايا الصواريخ وقذائف المدفعية والرصاص 30 من الصحافيين، وهذا دليل على أن هناك قرار سياسي في منظومة الاحتلال باستهداف الصحفيين في محاولة لقتل الحقيقة، مؤكدًا بأن اغتيال الزميلة شيرين خلق حالة من الإرهاب والترهيب للصحافيين للابتعاد عن المكان ليرتكب الاحتلال جرائمه دون شواهد وشهود، لذلك فإن استهداف الصحفيين هو في العادة مقدمة لاستهدافات عامة لمناطق فلسطينية وللشعب الفلسطيني.

وقال: إن نقابة الصحافيين تقدمت بشكوى لمحكمة الجنايات الدولية حول قضية اغتيال شيرين، وبعض الزملاء في غزة، مؤكدًا أن هناك مماطلة واضحة من قبل المحكمة بالتقدم بهذا الملف، لأن سلوكها المحابي للاحتلال بات واضحًا، ومن أجل ذلك نسعى لتشكيل حالة من الضغط مع النقابات العالمية، للنظر في هذا الملف وصولًا لإدانة الاحتلال، ومحاسبة القتلة، مؤكدًا بأنهم يعملون على تقديم ملف آخر حول المجزرة والابادة المرتكبة بحق الصحفيين في قطاع غزة، لمواصلة ملاحقة الاحتلال على جرائمه، كما توجهنا للأمم المتحدة لاستصدار قرار له علاقة بملاحقة مجرمي الحرب وعدم افلاتهم من العقاب، وهذا ما نعمل على صياغته منذ أشهر بشكل قانوني، بالتعاون مع الدوائر والمرجعيات القانونية المحلية، سواء منظمة التحرير، أو في وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، وغيرها من المؤسسات الحقوقية لكي نتقدم بطلب اقرار هذا القانون، وأن يكون هناك قرار من الأمم المتحدة بهذا الجانب.