بقلم: سامي أبو سالم
في قلب مدينة غزة يظهر للجميع ركام مكتبة دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني وقد أغلق أحد الشوارع الحيوية في المدينة بعد أن تعرضت المكتبة لقصف مباشر أدى لإبادتها بشكل كامل.
ودمرت وحرقت قوات الاحتلال المكتبات العامة في قطاع غزة التي بلغت زهاء عشر مكتبات على الأقل، إضافة لمكتبات الجامعات، ما أدى إلى تحويلها لأكوام من الركام أو مكان لجوء فيما تبقى منها.
وسعى الاحتلال من خلال تدمير التراث الثقافي في قطاع غزة منذ عدوانه الوحشي في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، إلى طمس الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني من خلال إنكار تاريخهم، وانتهاك سيادتهم.
وطالت الصواريخ بعض المكتبات الأرشيفية أيضًا، ما أدى لدمارها وحرق أبرزها، ومنها مكتبة الجامع العمري الكبير التي تحوي على مئات المخطوطات والصحائف منها منذ القرن الرابع عشر، وأرشيف بلدية غزة، ومكتبة دائرة العمل والتخطيط، "مركز التخطيط" التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وقال الباحث في دائرة العمل والتخطيط الدكتور محمد الحافي: إن العدوان الإسرائيلي استهدف المبنى الذي يضم مقر الدائرة في 2 آذار/مارس 2024 ومن ضمنه مكتبة قيمة تحتوي قرابة 60 ألف عنوان بين كتب ودوريات ورسائل علمية ووثائق سياسية تؤرخ للصراع العربي الإسرائيلي.
وأضاف الحافي: أن من أهم خسائر بالمكتبة هو الأرشيف وقسم الوثائق التي لا يمكن تعويضها كونها لم تكن متوفرة سوى بمكتبة الدائرة، وكذلك قسم الدراسات الإسرائيلية التي تشكل تقارير مهمة وبعض الدراسات باللغات الاجنبية.
وأشار إلى أن دائرة العمل والتخطيط التابعة لمنظمة التحرير كانت ملتقى للباحثين وطلاب الدراسات العليا في الجامعات الفلسطينية، ومكان لعقد الندوات والمحاضرات الثقافية.
بدوره، قال الباحث سلمان الزريعي: إنه فقد مصدرًا مهمًا من مصادر المعلومات لا سيما أن المكتبات المدمرة تحوي على مصادر ومراجع لا توجد في مكان آخر.
ولفت إلى أن هناك مواد لا تعوض ولا تجدها في مكانٍ آخر ولا على الشبكة العنكبوتية مثل الدوريات وأمهات كتب خاصة بالتاريخ الفلسطيني والثورة الفلسطينية في مكتبة "مركز التخطيط".
وقال الزريعي: "مخطوطات ومراجع لا تعوض هذه خسارة للأجيال القادمة".
في مبنى "مكتبة البحرين العامة" في قلب مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، تناثرت بقايا قصص أطفال وكتب وقطع من أجهزة كمبيوتر محترقة بعد أن تعرضت لقصف من قوات الاحتلال خلا هجومها على مخيم جباليا في أكتوبر 2023 ونوفمبر 2024.
وقال محمد حسان، أحد النازحين فيما تبقى من "مكتبة البحرين": إنه لجأ إلى الجزء المحترق منها بعد تنظيفه لاستخدامه كملجأ".
وأضاف: "كنت أنظم عروض فيديو كارتون للأطفال بجانب تدريبات على مهارات الكمبيوتر وجلسات صقل مهرات إلكترونية للشباب، الآن أنا نازح".
وأشار حسان بيده نحو اليمين، من ما تبقى من الطابق الأول الذي اكتست جدرانه بالدخان الأسود نتيجة الحريق، وقال كانت هنا قاعة عرض الفيديو، "ثم أشار يسارًا وقال هنا الاستقبال. أما دمر أو حرق".
وقال الطفل شعبان عفانة، (11 عامًا): إنه كان من رواد المكتبة، حيث كان يأتي لقراءة قصص واللعب على الكمبيوتر. الآن هو نازح في مدرسة الفاخورة.
وتقع المكتبة داخل أسوار مدرسة تتبع لوكالة غوث اللاجئين "الأونروا" تُعرف باسم مدرسة الفاخورة، التي تعرضت لأكثر من هجوم استهدفت فيه قوات الاحتلال النازحين فيها، وقد استشهد العشرات.
أما مكتبة ديانا تماري صباغ، وهي جزء من مركز رشاد الشوا الثقافي، فقد دمرت عن بكرة أبيها في غارة جوية على المركز الذي دمر بكل مرافقه من مسرح ومطبعة.
كتب ووثائق محترقة وممزقة يصعب انتشالها من بين الركام بلغ عددها 20 ألف عنوان وفقًا لدراسة أبو هاشم.
بعض النازحين تسللوا ليجمعوا بعض الأوراق وبقايا الكتب لاستخدامها في إيقاد النار للطبخ بعد انقطاع الوقود بفعل الحصار الإسرائيلي على القطاع.
وقال الدكتور مجدي سالم: إن خسارة مكتبة ديانا تماري صباغ تعتبر خسارة كبيرة لما احتوت عليه من كتب قيمة أدبية وفنية وسياسية.
ولفت سالم، المختص في شؤون الأسرى الفلسطينيين، والذي دمر بيته شمال غزة ويعيش الآن في خيمة ملاصقة للمركز، إلى أنه أيضًا فقد مكتبته الخاصة التي كانت مختصة بشؤون الأسرى.
وأضاف: "أبيد أكثر من 12 ألف كتاب ومطبوعات وأطروحات ماجستير ودكتوراة ووثائق خاصة بالأسرى كلها أبيدت".
كما دمر الاحتلال المكتبة العامة التابعة لبلدية غزة، وسط المدينة، وبات الطابق الأول منها وحديقتها الخارجية ملجأ لنازحين فقدوا بيوتهم.
أما الكتب فاحترق جزء منها وتمزق جزء آخر وتطاير جزء بين الأزقة وفوق أكوام الركام المحيطة، فيما يحاول موظفون من البلدية انقاذ ما استطاعوا.
ولم يسلم مركز القطان للطفل من نيران الاحتلال. فعلى أحد الجدران تقرأ كلامًا مكتوبًا باللغة العبرية فيما اخترق الرصاص، بعيارات مختلفة، وشظايا الصواريخ المركز.
وقال مدير المركز، إبراهيم الشطلي: إن المركز تعرض لأضرار جراء إطلاق نار مباشر وقذائف وأحزمة نارية من قبل قوات الاحتلال على المدينة.
وأشار إلى أن مكتبة المركز تحوي ما يفوق مئة ألف كتاب وأيضًا قاعات أنشطة علمية وفنون بصرية وسمعية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها