بقلم: أسيل الأخرس
قبل 76 عامًا من الآن، نجحت الحركة الصهيونية في احتلال أرض فلسطين، من خلال جرائم الإبادة الجماعية، والتهجير القسري، والتطهير العرقي بحق شعبنا، فيما باتت تعرف بالنكبة، وشكلت تلك النكبة التي تزامنت مع اقتراف العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق أبناء شعبنا، مأساة كبرى، أدت إلى استشهاد ما يزيد على 15 ألف فلسطيني، وتشريد مليون فلسطيني من أصل 1.4 مليون كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء.
ولا يزال الاحتلال الإسرائيلي يمارس أبشع الجرائم بحق شعبنا منذ النكبة إلى يومنا هذا، إذ تصاعدت جرائمه خلال العدوان المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول 2023، التي أدت إلى استشهاد 35.091 مواطنًا حتى إعداد التقرير.
وأكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة اللاجئين أحمد أبو هولي: أنه "بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إسرائيل دخلت مرحلة إعادة إنتاج النكبة، على نحو فاق النكبة الأولى عام 1948، من حيث مستويات التدمير والتهجير القسري والقتل والإبادة الجماعية"، مشيرًا إلى أن النكبة حدث مستمر في الزمان والمكان، وتطال كل الوجود الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، وما نشهده اليوم يأتي في إطار مخطط التهجير القسري وجعل حياة الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس مستحيلة، ودفعه إلى مغادرة وطنه وأرضه.
وعن إحياء ذكرى النكبة، قال: شعارها هو "فلسطين باقية والاحتلال إلى زوال"، والتركيز هذا العام سيكون على مفاهيم أساسية ترتبط بالنكبة، وخصوصًا الإبادة الجماعية، والتهجير القسري، والتطهير العرقي من جهة، وحق العودة والصمود من جهة أخرى، لافتًا إلى أن إحياء ذكرى النكبة هذا العام، يشهد حركة تضامن مع شعبنا غير مسبوقة، وضد الإبادة الجماعية، امتدت على مستوى الجامعات، والنقابات، والاتحادات، والبرلمانات العالمية، مبينًا أن إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري بحق أبناء شعبنا في قطاع غزة، وتحت غطاء الحرب والتدمير والإبادة في قطاع غزة، تُجري عملية تطهير عرقي وتهجير قسري في الضفة الغربية، بما فيها القدس.
وبهذا الصدد، أوضح أن التطهير العرقي والتهجير القسري يتمثلان في: الهدم المنظم للبيوت، والتهويد المباشر، والاعتداءات بحق الآلاف من الفلسطينيين المقدسيين، ممن أُجبروا على ترك منازلهم، ونزحوا باتجاه أماكن أخرى، في كفر عقب، وقلنديا، ورام الله، وأريحا، وفي التجمعات البدوية، وخصوصًا المطلة على الحدود الشرقية مع المملكة الأردنية الهاشمية، من مسافر يطا وبني نعيم جنوبا، وصولا إلى مطلات البحر الميت، وبرية القدس، وأريحا، والأغوار الوسطى، والشمالية في محافظة طوباس، حيث جرى اقتلاع عدد كبير من التجمعات البدوية من هذه المناطق، التي تمثل مناطق إستراتيجية من الناحيتين السياسية والاقتصادية، والتهجير القسري للمواطنين في المناطق المسماة "ج"، بالإضافة إلى المخيمات التي تحاول إسرائيل جعل الحياة غير ممكنة داخلها لإجبار المواطنين على مغادرتها، منوهًا إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، تمثل غلاة الاستعمار والتطرف والكراهية، وتعمل على حسم الصراع، وفي سبيل تحقيق ذلك عملت على مستويات عدة، وهي: القضاء على قضية اللاجئين، ومنها الهجوم المباشر على المخيمات وتدميرها والقضاء عليها، كونها تمثل شواهد على نكبة شعبنا منذ عام 1948، والمحاولة المستميتة لتقويض عمل الأونروا، ضمن خطة محددة تسعى إلى قضم مكانة هذه المؤسسة الدولية ودورها وشرعيتها وتفويضها، وما تمثله من أبعاد هامة لقضية اللاجئين من النواحي الحقوقية والخدماتية والإنسانية.
وأوضح أبو هولي أن استهداف إسرائيل للمخيمات هو استهداف قديم، إذ شهد عام 2023 اجتياحًا لمخيم جنين، أدى إلى استشهاد عدد كبير من أبنائه وتدمير مئات الوحدات السكنية ونزوح أكثر من 500 عائلة بقوة السلاح، بالإضافة إلى ما تخلله من اعتقالات وتدمير المنازل والبنى التحتية، ثم تلته موجة اجتياحات لكل المخيمات، تصاعدت خلال العدوان على غزة، إذ رصدنا أكثر من 450 اقتحامًا للمخيمات، ومنها: جنين، ونور شمس، وطولكرم، وبلاطة، والفارعة، وعقبة جبر، وعين السلطان، حيث شهدت تدميرا للمنازل والمرافق العامة والبنى التحتية، إضافة إلى الاقتحامات والاعتقالات، من أجل جعل المخيمات بيئة طاردة وغير قابلة للحياة، محذرًا من سعي إسرائيل إلى القضاء على المخيمات، باعتبار قضية اللاجئين جوهر القضية الوطنية الفلسطينية، وأن الهجوم عليها يستهدف القضاء على فكرة الثورة والنضال والتمسك بالحقوق، فالمخيمات هي مخزون الثورة الحقيقي، ومكان إعادة إنتاج الثقافة الفلسطينية والهوية النضالية الفلسطينية.
وقال أبو هولي عن استهداف "الأونروا": إن استهداف إسرائيل لـ"الأونروا" ليس بالجديد، بل هو منذ عمر هذه الوكالة الدولية، مضيفا، "إسرائيل حاولت لسنوات ابتزازها، وابتزاز المفوضين العامين الذين أشرفوا على عملها، وحاولت بكل الطرق حرف عملها لتصبح وكالة للتوطين، بيد أنها حافظت على دورها وتفويضها في حماية اللاجئين وإغاثتهم"، موضحًا أن هجوم إسرائيل على "الأونروا" اتخذ مسارين، الأول: يهدف إلى تقويض الأسس القانونية التي تقوم عليها قضية اللاجئين، وتحديدا القرارين 302 لعام 1949، الذي أُنشئت بموجبه وكالة الغوث، و194 -الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948، والذي عُرف باسم "قانون العودة"، وقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت للاجئين "الفلسطينيين" الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة-، في ارتباط وثيق بين تأسيس "الأونروا"، وبين الدعوة إلى تطبيق القرار 194، مشيرًا إلى أن إسرائيل تسعى إلى التخلص من "الأونروا" تمهيدا للتخلص من القرارات الدولية، والاعتراف الدولي بوجود واستمرار قضية اللاجئين.
وعن المسار الثاني، أشار إلى تقويض جهود "الأونروا" الإغاثية، وخصوصًا في ظل الحرب على قطاع غزة، التي تستخدم فيها إسرائيل التجويع كأداة حربية، واستهدافها، بغرض إحداث فوضى عارمة في جهود الإغاثة كافة داخل القطاع، وبالتالي تجويع المواطنين، ودفعهم نحو التهجير إلى خارج فلسطين.
وقال حول أثر التقليصات ووقف التمويل على حياة اللاجئين: إن اللاجئ الفلسطيني ينظر إلى تقليصات وقطع التمويل عن "الأونروا"، باعتباره جزءًا من المشاركة في جريمة التجويع، والقتل اليومي، وحرب الإبادة الجماعية، منوهًا إلى أن تقليص الخدمات يرجع إلى تقليص التمويل، بعد قيام عدد من الدول بقطع تمويلها استجابة للادعاءات الإسرائيلية بحق الموظفين، مؤكدًا أنه بعد صدور التقرير الخاص بلجنة المراجعة المستقلة، والذي أعدته وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا بتكليف من الأمم المتحدة، فإنه لا مبرر أمام أي دولة لاستمرار قطع التمويل، خصوصا أن التقرير أكد أن الموظفين لم يشاركوا في أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وإسرائيل لم تقدم أي أدلة تثبت غير ذلك، محذرًا من تداعيات الهجوم على "الأونروا"، الذي سيؤثر في أقاليم عملها الخمسة، في حين أن الأثر الأكبر يقع في قطاع غزة، وذلك لأن الخدمات الإغاثية في القطاع هي خدمات منقذة للأرواح، وتحتاج إلى تكثيفها، ورفع وتيرتها، وتسهيل انسيابها لتغطي احتياجات المواطنين الماسة، تليها مخيمات القدس، ثم مخيمات: سوريا، ولبنان، والضفة الغربية، والأردن، مطالبًا الدول بأن تفي بالتزاماتها، وأن تدعم موازنة "الأونروا"، وخصوصا موازنة نداء الطوارئ لدعم جهود الإغاثة في قطاع غزة، في ظل حرب الإبادة التي يشهدها القطاع.
وعن واقع المخيمات قال: تعاني مخيمات الضفة الغربية وسائر المخيمات في الوطن والشتات ارتفاع معدلات البطالة والفقر في أوساط اللاجئين، إذ تعاظمت المعاناة منذ عام 2019 نتيجة أزمات معقدة ومركبة، منها: تداعيات جائحة "كورونا"، وانعكاساتها الخطيرة على اقتصادات الدول التي يوجد فيها اللاجئون، إضافة إلى الأزمات المالية والاقتصادية في تلك الدول، فضلاً عن تداعيات الحرب الروسية -الأوكرانية، وصولاً إلى حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس.
وتشير تقديرات "الأونروا" إلى أن ما بين 80 إلى 90% من لاجئي فلسطين في غزة ولبنان وسوريا يعيشون حاليا تحت خط الفقر، وفي مخيمات الضفة الغربية ارتفعت هذه النسبة مع الحرب على قطاع غزة وإغلاق الضفة ومنع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم في أراضي 48، والأضرار التي لحقت بمختلف القطاعات الاقتصادية.
وفي سياق عمل دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، قال: تقوم الدائرة بمتابعة ملف اللاجئين داخل المخيمات في الوطن والشتات، والدفاع عن حقوقهم ومتابعة ملف "الأونروا"، وأي تطورات متصلة بهذا الملف، كما تُشرف الدائرة على عمل اللجان الشعبية والمؤسسات المتخصصة (نساء، وذوي إعاقة، شباب)، وتحاول إسناد عمل وكالة الغوث صاحبة التفويض الأممي بهذا الشأن، بالإضافة إلى مهام المتابعة على مستوى اللجنة الاستشارية للأونروا، ومؤتمر المشرفين على شؤون الفلسطينيين في الدول العربية (جامعة الدول العربية)، واللجان التنسيقية على مستوى الدول المضيفة، إلى جانب دورها في تعزيز خطاب العودة وحقوق اللاجئين، وتعزيز ثقافة العودة في أوساط شعبنا خاصة من الناشئين، وتُشرف على إحياء ذكرى النكبة باعتبارها نكبة مستمرة، بالإضافة إلى تطوير مجالات البحث في هذا الحقل، والعمل التوثيقي.
* اللاجئون في أرقام:
أشارت بيانات دائرة شؤون اللاجئين إلى أن نحو 880 ألف لاجئ يعيشون في الضفة الغربية، 25% منهم يعيشون في 19 مخيمًا، معترفا بها رسميًا لدى وكالة الغوث، فيما يعيش نحو 75% من اللاجئين في مدن الضفة الغربية وقراها.
وفي قطاع غزة الذي يقدر عدد سكانه بـ2.3 مليون مواطن، يشكل اللاجئون نسبة 66% من إجمالي عدد السكان، بواقع نحو حوالي 1.7 مليون لاجئ، ويعيش حوالي 620 ألفًا منهم في ثمانية مخيمات معترف بها من قبل الأونروا، وفقا لبياناتها.
وبحسب بيان صحفي للجهاز المركزي للإحصاء، لمناسبة الذكرى الـ76 لنكبة فلسطين، فإن إجمالي عدد الفلسطينيين في العالم بلغ 14.63 مليون نسمة حتى نهاية عام 2023، ما يشير إلى تضاعف عددهم نحو 10 مرات منذ أحداث نكبة 1948.
وأشار البيان، إلى أن من بين مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في 1,300 قرية ومدينة فلسطينية عام 1948، تم تهجير مليون مواطن إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلاً عن التهجير الداخلي للآلاف منهم داخل الأراضي التي أُخضعت لسيطرة الاحتلال منذ عام 1948، الذي سيطر على 774 قرية ومدينة فلسطينية، 531 منها تم تدميرها بالكامل، فيما تم إخضاع المتبقية للاحتلال وقوانينه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها