هناك ظاهرة مصدرها الحرص على اغتنام أي فرصة من أجل مصطلح فلسطيني غير واضح ما الذي يعنيه بالتحديد، كما لم يجرِ تقديم تعريف حقيقي له، إلا وهو "الوحدة الوطنية الفلسطينية"، التي لم تتحقق بصورة فعالة وفعلية حتى الآن، من أجل هذه الوحدة المبتغاة ومحاولة تحقيقها عبر محاولات ضم حماس والجهاد لمنظمة التحرير الفلسطينية في العقود الثلاثة الأخيرة، كان باستمرار يقود إلى السكوت عن الأذى الذي ألحقته حماس بالحركة الوطنية الفلسطينية، وبالقضية والشعب الفلسطيني، ومما زاد الطين بلة موقف بعض فصائل المنظمة وبالتحديد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي انتهجت منذ البداية نهجا شعبويا، واختارت الشعارات على ما هو ممكن في فن السياسة، فهذه الفصائل تقبل أن تستخدمها حماس غطاء لها مقابل المال. وأنها وحماس تحقق مكاسبها السياسية بالمزايدات والشعارات دون أن يتحقق أي انجاز حقيقي.
قبل ظهور حماس على الساحة كان التوافق ممكنًا بين فصائل المنظمة، وبالفعل فقد تحقق مثل هذا التوافق والوحدة في محطات عديدة، وخصوصًا في العام 1988، عندما تبنت منظمة التحرير الفلسطينية مشروع السلام، ولكن مع حماس جرى وفاق واحد وحيد في اتفاق مكة في شباط/ فبراير عام 2007، وهو الاتفاق الذي أنتج حكومة وحدة وطنية ترأسها إسماعيل هنية وانقلبت عليها حماس في قطاع غزة بالقوة العسكرية في حزيران/ يونيو من العام نفسه، باستثناء هذه المرة الفريدة والوحيدة، فإن حماس رفضت كافة مبادرات الانضمام الى منظمة التحرير الفلسطينية منذ ان تأسست عام 1988، اي قبل اتفاقيات أوسلو.
- ما يجب أن يقال بشأن حماس الإخوانية إنها:
أولاً- نقيض للوطنية الفلسطينية وعدو لها، فهي لم ترفض الانضمام للمنظمة بل عملت ضدها كل الوقت، وعملت كل شيء، بما في ذلك مهادنة إسرائيل، بهدف ضرب مكانة حركة "فتح" على وجه الخصوص باعتبارها العمود الفقري للمنظمة والحركة الوطنية عمومًا.
ثانيًا- حماس لا تؤمن بالدولة الفلسطينية المستقلة، بل بالنسبة لها فلسطين كلها ليست هدفًا وإنما هي وسيلة تلبي مصلحة جماعة الإخوان، فهي تعاونت مع إسرائيل من أجل مواصلة فصل القطاع عن غزة، وهي وفي ذروة الحرب، وقطاع غزة دمر وتم الفتك بسكانه، وحماس تتفق مع ما يسعى إليه نتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي بالتمسك بالانفصال والانقسام وتقاوم بشدة أي محاولة لتوحيد أراضي الدولة الفلسطينية.
ثالثًا- لا تكترث حماس بحياة الانسان الفلسطيني ولا باقتصاده ومعيشته، ولا بمؤسساته إلا بقدر ما يخدمها هي، ويبقى همها جمع المال لها ولجماعة الإخوان، والآن في ذروة الحرب لم تفعل حماس أي شيء لحماية المواطنين وتأمين حاجاتهم، وكان همها تأمين كل شيء لها في الانفاق.
رابعًا- حماس تقاطعت مع اليمين الإسرائيلي المتطرف في افشال أوسلو، فكان بينها وبين هذا اليمين تفاهم غير مكتوب بتدمير فرص السلام، ومنع تمكين أي كيانية فلسطينية وطنية يمكن أن تتحول إلى دولة، هذا التفاهم كان أكثر وضوحًا مع نتنياهو الذي مكن حكم حماس في قطاع غزة بهدف منع وحدة الأرض الفلسطينية، ومنع وجود اي كيان فلسطيني موحد في الضفة وقطاع غزة والقدس الشرقية.
خامسًا- اكتشفت حماس كم يدر عليها الاشتباك مع إسرائيل من المال والمكاسب السياسية، ولكن هل كان لحماس أي برنامج سياسي تسعى لتحقيقه؟ لقد حولت نفسها إلى مقاول اشتباكات مع إسرائيل بغض النظر عما قد يحصل للشعب الفلسطيني، المهم ما تحصل عليه، حتى عندما تتحدث بشكل ملتوي وتكتيكي عن دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، فإنها باليد الاخرى تضعف الكيانية الفلسطينية المتمثلة بالسلطة الوطنية بكل السبل، وهي الكيانية التي قد تتحول الى دولة مستقلة، واليوم بينما تلوح في الأفق إمكانية لاعتراف دولي بهذه الدولة ويمكن أن تفرض على واشنطن الاعتراف بها في حال توحد القطاع مع الضفة، فإن حماس لها موال مختلف الاحتفاظ بسيطرتها المنفردة على القطاع.
حماس لا تمتلك أي برنامج وطني حتى عندما قامت بعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فإنها لم تتحدث عن هدف الدولة الفلسطينية، ولم تقل انها ستنهي الانقسام، بل تحدثت عن شعارات، أو أهداف أقرب إلى الشعارات منها إلى أهداف وطنية. والمشكلة في كل ذلك أن حماس ستواصل نفس هذا النهج المعادي للوطنية الفلسطينية، فهي إن غيرت نهجها ستتوقف عن كونها جزءًا من جماعة الإخوان وهذا يبدو مستحيلاً، وفي ذاكرتنا كم دولة عربية ساهمت الجماعة على تفكيكها وفي مقدمتها فلسطين عبر الإصرار على فصل قطاع غزة عن الضفة.
فما يجب أن يقال لحماس كفاكم تدميرا للوطنية الفلسطينية، تدميرًا للكيانية الوطنية الفلسطينية، فهذا يلحق أضرارًا جسيمة بالقضية الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها