قضية قانون التجنيد الجديد الذي سيطرح على كنيست منظومة الاحتلال والاستيطان العنصرية (إسرائيل) فجرت الحقائق التاريخية لطبيعة وتكوين المجتمع اليهودي فيها، وأظهرت للسطح الصراع مابين العلمانيين والمتدينين المتطرفين من جهة، ومابين تيارات الصهيونية الدينية واليهودية الأصولية من جهة اخرى ، قد تودي إلى انهيار ما يسمى الهيكل الثالث، أي (دولة المنظومة الصهيونية) الحالية، فحسب روايات دينية يهودية والعهد القديم (التناخ) فإن الصراعات الداخلية بين الطوائف اليهودية قد أدت إلى خراب الهيكل الأول حيث انهارت المملكة الداودية-السليمانية و"مملكة الحشمونائيم"، قبل تجاوز أي منهما ال80 سنة، أما في الادعاءات الصهيونية ، فإن البيت الأول قد دمره نبوخذ نصر ملك بابل سنة 586 قبل الميلاد، فيما قضى على البيت الثاني تيتوس ابن امبراطور روما سنة 70 ميلادية، أما البيت الثالث فهو (إسرائيل) لكن البروفيسور شلوموساند – إسرائيلي - يفند روايات الشتات اليهودي في كتابه ( اختراع الشعب اليهودي ) !...
وفي هذه اللحظات المصيرية يبرز السؤال الكبير: من هو اليهودي؟! وهل يوجد اثنين من حاخامات إسرائيل متفقان على ذات الاجابة، الجواب قطعًا لا، لأن تأثير الاجابة سيعجل بخراب (الهيكل أو البيت الثالث) كما يسمونه، والبرهان جمر الصراعات تحت رماد دولة يخشى بنيامين نتنياهو ذاته ألا تتجاوز لعنة ال80 سنة التي أصابت مملكة ( الحشمونائيم ). ليهود إسرائيل حاخامان أكبران، الأول: لطائفة اليهود الشرقين (السفارديم ) ومنهم (الحريديم )، والثاني ( للأشكناز) اليهود الغربيين، أما الخلافات الجذرية بين الطائفتين، والعلاقة بينهما فتحتاج إلى مقال آخر مفصل، ويكفي الآن الاستشهاد بعنوان مقال كتبه ايهود باراك – رئيس حكومة المنظومة السابق – لصحيفة يديعوت احرونوت بتاريخ 8 أيار 2022: "التهديد الحقيقي هو الكراهية بين اليهود" ويقصد كما شرح في المقال أسباب انهيار إسرائيل باعتبارها (البيت الصهيوني الثالث)! أما الباحث مردخاي كيدار فيرى أن السبب الجوهري لرفض الحريديم الخدمة بالجيش متعلق بسلوكهم الاجتماعي ، فهم منغلقون انعزاليون ، وأن الدولة علمانية لا تطبق الشريعة"! ويشكل اليهود الحريديم نحو 13% من سكان إسرائيل، ويدعون تكريس حياتهم لدراسة التوراة، ولا يخدمون بالجيش، منذ سنة 1948 بعد تسوية مع رئيس المنظومة ديفيد بنغوريون أصدر على أثرها قرار اعفاء الحريديم من التجنيد الإجباري إذا كانوا ملتحقين بالمدارس الدينية، إلى أن ألغت المحكمة العليا الإسرائيلية قانونًا شُرّع في 2015، قضى بإعفائهم واعتبرت الإعفاء مساسًا بـ"مبدأ المساواة"! علمًا أن قانون المنظومة يلزم كل فرد فوق سن ال18 بالخدمة العسكرية. تبرز هذه الأيام وبوضوح حقيقة (الشعب المخترع) التي رفضها الألمانيون اليهود عندما عرضت عليهم فكرة الهجرة إلى فلسطين لإنشاء دولة، إذ كان جوابهم: "نحن أصحاب ديانة ولسنا شعبًا نريد العيش في بلادنا" كما يبرز بقوة السؤال الأكبر: من هو اليهودي؟ هل الذي أمه يهودية أم والده، أم المتهود، أم اليهودي أبًا عن جد، فالحريديم يرفضون فكرة التحول لليهودية، ويرون أن اليهود الغربيين ( ألأشكناز ) ليسوا يهودا!! كما ورد في كتاب آرثر كوستلير بعنوان (القبيلة الثالثة عشر) باعتبار أن الأسباط ابناء يعقوب اثنا عشر فقط!.
ويكشف تصريح الحاخام الحريدي المتشدد تسفي يهودا فريدمان عمق الشقوق في بناء الثقافة الإسرائيلية إذ وصفها بالعلمانية، وقال في موقف شديد العدائية ضد الخدمة بالجيش: "إننا لن نُقدم على القيام بأمر هو أسوأ من الموت"! وقال: " الأفضل أن نكون مع خنازير من التواجد في مكان واحد مع العلمانيين".. ويمضي بلسان عنصري مقيت ليقول: "لدي ما بين 30 إلى 40 حفيدًا، وإذا سألوني ماذا تفضّل، أن يقتلهم العرب أم أن يصبحوا علمانيين؟ فإن العلمانية عندنا تتجاوز الموت، وهي أكثر خطورة بكثير".. أما الحاخام الأكبر لليهود السفارديم في إسرائيل يتسحاق يوسيف فقد برهن على انحصار العلاقة مابين أتباعه و(دولة إسرائيل) بالمصلحة المادية فقط بقوله: "إذا أجبرونا على الالتحاق بالجيش فسنسافر جميعًا إلى خارج البلاد، نشتري التذاكر ونذهب". فالمدارس الدينية تتمتع بموازنة خاصة من حكومات إسرائيل، جراء ابتزاز الأحزاب الدينية، واستغلال ثقلها في الكنيست، كما فعل رئيس حزب "شاس" أرييه درعي ورئيس حزب "يهودية التوراة" موشيه غافني، عندما هددا بفرط ائتلاف حكومة نتنياهو بالانسحاب منها اذا فرض قانون الخدمة العسكرية على الحريديم. لم يتبق أمام حكومة نتنياهو سوى 3 أيام ليواجه الكارثة، فهو غير قادر على التفريط بمجلس الحرب حيث يجلس معه بيني غانتس، الذي هدد بالاستقالة من حكومة الطوارئ، إذا أقر الكنيست تشريعًا مقترحًا وصفه رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بـ"قانون التهرب" لاحتوائه على نصوص تتضمن محاولات مكشوفة للالتفاف على ماطلبته المحكمة العليا والمعارضة أيضًا، رغم استقواء نتنياهو بحزبي العظمة اليهودية (بنغفير) والصهيونية الدينية (سموتيرتش)، ولا يستطيع التفريط بحزب شاس وأحزاب أخرى تمنحه 64 أغلبية 64 صوتًا في الكنيست. ما يهمنا نحن بلوغ الحقيقة للعالم بأن فكرة انشاء دولة لليهود كانت وليدة مشاريع استعمارية متتابعة، استغلت المشكلة اليهودية في أوروبا، وزجت بيهود من أجناس وأعراق في بلادنا، بدل التورط بالاحتلال المباشر لأرض وطننا فلسطين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها