لا يفوت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة إلا ويؤكد خلالها انه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية. وكأنه يصر على تذكير الرأي العام الإسرائيلي بأنه أنذر شخصيًا من الرب لتحقيق هذا الهدف. تاريخ هذا الرجل وحاضره يقول أنه من أولئك الصهاينة المتطرفين، المتمسكين بحذافير الفكرة الصهيونية، التي تتنكر لوجود الشعب الفلسطيني، وتحتكر ملكية الارض وتحصرها باليهود فقط، ولعل نتنياهو قد ورث تصلبه الصهيوني وفاشيته من والده بن صهيون نتنياهو وهو مؤرخ في التاريخ اليهودي وكان يشغل منصب سكرتير زعيم التيار التصحيحي الأكثر يمينية في الحركة الصهيونية جوبوتنسكي. الذي تفرعت من حركته عصابات الارغون العسكرية المتطرفة، التي تأسست عام 1931، وهي المسؤولة عن مذبحة دير ياسين ومذابح اخرى، وفي عام 1941 انشقت عنها عصابة أكثر تطرفًا وفاشية، حملت اسم شتيرن وهي بدورها وقفت وراء العديد من المجازر والاغتيالات في صفوف الشعب الفلسطيني.
نتنياهو هو سليل هذا الاتجاه المتطرف في الحركة الصهيونية، ومثّل لاحقًا يمين حزب الليكود الذي هو حزب يميني بالأساس، وكان من أشد أعداء عملية السلام، ويرفض، كما سبقت الاشارة، فكرة إقامة دولة فلسطينية كليًا. ومن أجل منع الدولة عمل نتنياهو على عدة جبهات، الأولى، فرض واقع على الأرض يمنع ذلك، وتكثيف الاستيطان بشكل، وزيادة عدد المستوطنين، ثانيًا، العمل على شق الفلسطينيين، دعم الانقسام وتعزيزه، وإضعاف السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني ويعترف بها العالم، ومن دون أن يتخلى عن إستراتيجيته في دعم انفصال غزة عن الضفة كهدف لمنع قيام دولة فلسطينية، فإنه قد يعود لاستخدام حماس ضمن معادلة مختلفة عن تلك التي كانت سائدة قبل السابع من أكتوبر الماضي.
ويأتي ثالثًا، إزاحة قضية القدس من المفاوضات، عبر اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بأن القدس عاصمة أبدية "للشعب اليهودي"، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ورابعًا: استغلال اي فرصة تتاح لضم منطقة الأغوار وربما مناطق "ج" في الضفة، الأمر الذي يجعل من إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة أمرًا مستحيلاً، وخامسًا: أصر على إقرار قانون يهودية الدولة عام 2018، وهو القانون الذي يحصر حق تقرير المصير بالشعب اليهودي على "أرض إسرائيل"، ومفهوم الأرض بقي بلا حدود، مما يتيح التوسع باستمرار.
وفي إطار إستراتيجيته، فإن الاولوية بالنسبة لنتنياهو كانت وتبقى إضعاف السلطة الفلسطينية، فهي الكيان الفلسطيني الرسمي المعترف به، وأن إضعاف هذا الكيان بكل السبل، بما في ذلك تقوية سلطة حماس في غزة ودعم بقائها كسلطة أمر واقع وترفض العودة إلى الشرعية الفلسطينية كان هو الهدف بالنسبة له. الجميع في إسرائيل ينتظر انتهاء الحرب، ويأتي يوم الحساب عن الاخفاقات، وفي مقدمتها إستراتيجية نتنياهو في دعم حماس وأضعاف السلطة، ستكون اولى النقاط التي سيدفع رئيس وزراء إسرائيل الفاسد ثمنها.
لقد كان الحصار المالي والسياسي للسلطة واضحًا في إستراتيجية نتنياهو، وهو اليوم وفي ذروة الحرب يصر هو وممثلو الصهيونية الدينية المتطرفة في حكومته على ممارسة اقصى درجات الضغط، فهو يقوم بحرب مباشرة مدمرة في قطاع غزة، ويخوض في الضفة حربااقتصادية، وكلا الحربين لهما نتيجة واحدة هي جعل حياة الشعب الفلسطيني فوق ارض وطنه صعبة، بل ومستحيلة وطاردة له. هو ووزير ماليته المتطرف سموتريتش يناوران من اجل استمرار الحصار بالرغم من الضغوط الدولية، وخاصة من إدارة بايدن عليه.
ولكن إذا كانت هذه إستراتيجية نتنياهو، وهذه هي أهدافه، فإن المشكلة تبقى في الموقف العربي، الذي أقرت قممه العربية منذ أكثر من عقد شبكة الامان المالي للشعب الفلسطيني، وحتى هذه اللحظة، وفي ظل الحرب والحصار ومخطط تهجير الفلسطينيين، لم تبادر الدول العربية بتفعيل شبكة الأمان هذه، والمشكلة أن هذه الدول لم تقدم اي تبرير لعدم القيام بذلك، في حين كان بعض من هذه الدول يتناغم مع إستراتيجية نتنياهو على وجه التحديد في إطالة عمر الانقسام. عبر ضخ المال لسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة بدل أن تقوم هذه الدول بالضغط لإنهاء الانقسام، وإنها لو فعلت ذلك لما وصلنا إلى هذه الحرب الوحشية المدمرة.
وعلى صعيد آخر، وبعد انقطاع الاتصال بينهما لأكثر من شهر، اتصل الرئيس الاميركي بايدن برئيس الوزراء نتنياهو قبل أيام، وكما أعلن بايدن أنه ناقش مسألة اليوم التالي للحرب. وفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، رئيس الوزراء نتنياهو خرج ليقول أنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وأن قطاع غزة والضفة ستبقى في نطاق الأمن الإسرائيلي. أما بايدن فقد قال أن الدولة الفلسطينية ممكنة حتى في ظل حكم نتنياهو، مستخدمًا جملة غامضة، بأن لتحقيق هذا الهدف أشكالاً عدة.
من الواضح أن نتنياهو، الوارث عن أبيه التطرف، بمعنى أنه ولد في بيئة صهيونية عنصرية وفاشية متطرفة، هذا الرجل الذي رضع حليب التطرف يشارك مع سموتريتش القول ان الدولة الفلسطينية خطر وجودي على إسرائيل، والسؤال اليوم وبعد انفراط صيغته لدعم الانقسام، هل سيعد إنتاج أشكال أخرى للاستمرار بفصل قطاع غزة عن الضفة، وعن القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني؟ والسؤال الثاني هل سيجد نتنياهو دولاً عربية تتعاون معه لتحقيق ذلك كما كان عليه الوضع قبل السابع من أكتوبر الماضي؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها