بقلم: زهران معالي
باعة خضار وفواكه، وسكاكر وحلويات للأطفال، وفلافل وشواء على عربات متنقلة، وجامعو خردة ومعادن، وغيرها العديد من التجارات البسيطة، التي باتت مظهرًا رئيسيًا في شوارع القرى والبلدات ومراكز المدن في الضفة الغربية.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ قرابة تسعين يوما، وجد الآلاف من عمال الضفة الغربية أنفسهم بلا عمل أو مصدر دخل، ووقعوا فريسة للبطالة في أيام صعبة طويلة وقاسية يملؤها الملل وعدم القدرة على العمل.
وما يزيد الضغط أكثر المشهد اليومي للاقتحامات من قبل الاحتلال للمدن والمخيمات والبلدات والقرى الفلسطينية، وجرائم القتل والإعدامات الميدانية والاعتقالات وهدم المنازل وسياسة التخريب لمقومات البنية التحتية الفلسطينية.
وأدى العدوان الإسرائيلي إلى تعطل قرابة 450 ألف عامل في الضفة الغربية وقطاع غزة عن أعمالهم وفق إحصائيات رسمية، منهم 195 ألف كانوا يعملون في أراضي الـ 48 واضطروا للبقاء في منازلهم والبحث عن مصادر دخل بديلة في السوق المحلية، إثر إغلاق حكومة الاحتلال المعابر وحرمانهم من الالتحاق بأعمالهم.
وفي بلدة عجة جنوب جنين، وقف مجموعة من الأطفال على قارعة الطريق بعدما تعالت أصوات موسيقى بائع "غزل البنات" الذي اعتادوا حضوره للقرية خلال الشهرين الماضيين، أملا بشراء أكياس من خليط السكر مع الصبغة الوردية، والتي تمتاز بلذتها وثمنها الزهيد.
ويقول البائع أبو أحمد: بأنه اضطر بعد أن تعطل عمله في أراضي عام 48 إثر إغلاق الاحتلال المعابر، إلى البحث عن مصدر دخل بديل يعيل به أسرته ويسدد بعضًا من التزاماته المالية.
وأعاد سلامة حساباته جيدًا مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة وتصعيده في الضفة الغربية، واضطر وأسرته إلى الدخول في حالة "تقشف وشد الأحزمة" وفق قوله.
ويشير أبو أحمد الذي يجوب قرى جنوب جنين لبيع "غزل البنات" بمركبة حديثة، إلى أنه كان اقترض من البنك أثناء عمله لشراء المركبة وملتزم بأقساط شهرية لسدادها تصل إلى ألفي شيقل، وللتغلب على تلك الالتزامات اهتدى لبيع الحلوى للأطفال.
وتسبب قرار الاحتلال بمنع العمال من التوجه لأعمالهم بخلق مشكلات اقتصادية خطيرة ومعقدة للعمال وأسرهم، في ظل الضبابية التي تدور في أروقة حكومة اليمين الإسرائيلية المتطرفة حول عودتهم مجددا لأعمالهم، الأمر الذي دفعهم إلى اقتصار نفقاتهم على الحاجات الأساسية.
إلى ذلك قال محمد فقيه (27 عامًا) من مدينة نابلس، وهو عامل في مجال الدهان: إنه بالكاد كان يدبر أموره المالية خلال عمله، فكيف سيكون الحال بعدما توقف عن العمل.
ويضيف: "ما كنت أحصل عليه من أجر بالكاد كنت أسد من خلاله احتياجات منزلي وعائلتي، بسبب غلاء الأسعار والاحتياجات المتعددة، والآن بعد أن تغيرت الأحوال نخشى على مستقبلنا وأن ننضم لصفوف البطالة، ونقف عاجزين عن توفير احتياجات أسرنا".
ويشير إلى أن لديه التزامات ثابتة خمسة آلاف شيقل شيكات مؤجلة للمركبة وتعمير منزله، واضطر لإرجاع شيكات شهري نوفمبر/ وديسمبر، لتعطله عن العمل وعدم قدرته على السداد، فمنذ قرابة 90 يومًا لم يعمل سوى أسبوع واحد بورشة دهان، ولم يحصل على أجره كاملا فيها.
وبينما يسعى فقيه منذ بدء العدوان لإيجاد عمل بديل بالضفة الغربية بمجال عمله، لجأ آخرون ومنهم عمال الضفة، الذين ضاقت أحوالهم وأنهي عملهم، لافتتاح مشاريع صغيرة كأكشاك بيع المشروبات الساخنة، والباردة، والأطعمة الشعبية، وغيرها.
ويبدو ذلك جليًا خلال جولة في ميدان الشهداء وسط مدينة نابلس والشوارع الموصلة إليه، فقد تضاعفت أعداد بسطات بيع الخضار والأحذية ومواد التنظيف، وغالبيتهم ممن تعطلت أعمالهم في أراضي48، أو في القطاعات التي تضررت في سوق العمل بالضفة الغربية.
ووفق ما نشره الجهاز المركزي للإحصاء وسلطة النقد الفلسطينية في بيان صحفي مشترك حول الحصاد الاقتصادي الفلسطيني للعام 2023، والتنبؤات الاقتصادية لعام 2024، فإن الفجوة المناطقية التي تشهدها فلسطين في معدلات البطالة تعمقت خلال الربع الرابع من العام 2023.
ونوه البيان إلى أنه من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة في فلسطين إلى نحو 46%، بواقع 29% في الضفة الغربية و74% في قطاع غزة. أما على المستوى السنوي، فتشير التقديرات إلى أن معدلات البطالة في فلسطين سترتفع من 25.5% في عام 2022، إلى 30.7% في عام 2023، نتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتداعياته على فلسطين، وأن تصل في الضفة الغربية إلى 18% وفي قطاع غزة إلى حوالي 53%، إذ تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 651 ألف عاطل عن العمل في فلسطين، منهم 393 ألف في قطاع غزة، و258 ألف في الضفة الغربية في العام 2023.
ويقدر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين الخسائر الناتجة عن تعطل العمال الذين يعملون في أراض48 بأكثر من ثلاثة مليار شيقل، منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، الأمر الذي ترك آثاره الكارثية على كافة القطاعات في الاقتصاد الفلسطيني.
ويقول الأمين العام للاتحاد شاهر سعد لـ"وفا"، إن هناك تخبطا في التصريحات الصادرة عن حكومة الاحتلال حول وضع العمال الفلسطينيين، فقبل أسبوع كان الحديث عن السماح لعشرة ألاف عامل بالعودة في 6 يناير الجاري، وبعدها بأيام كان حديث عن استقدام 80 الف عامل من الصين وسريلانكا بدلا من العمال الفلسطينيين.
ويوضح أنه يعمل داخل أراضي عام 48 ما يقارب 195 ألف عامل فلسطيني، في مجالات الزراعة والبناء والخدمات وغيرها، بينهم 115 الف عامل بقطاع البناء، منوها إلى أن ما يجري داخل حكومة الاحتلال تخبط بين تيارات مختلفة فيها، بين من يدعم عودة العمال الفلسطينيين وبين من يريد الاستغناء عنهم.
ويؤكد سعد أنه فيما يتعلق بالعمال الفلسطينيين، فإن هناك اتفاقيات بين وزارة العمل الإسرائيلية والشركات الإسرائيلية ونقابات العمال بقطاع البناء، تنص على أن "كل عامل يعمل بقطاع لبناء ويتعرض لأي خلل بعمله تتحمل الشركة والحكومة الإسرائيلية تعويضه".
ويشير إلى أن اتحاد البناء في إسرائيل عضو في الاتحاد الدولي للبناء، وتفاخر خلال السنوات الماضية بأنه وقع اتفاقية تضمن المساواة في الحقوق بين العاملين بقطاع البناء الإسرائيليين والعمال الفلسطينيين والأجانب، مؤكدا أن الشركات وحكومة الاحتلال وفق الاتفافية ملزمة بتعويض العمال الفلسطينيين.
وأدت الحرب على قطاع غزة إلى تأثر قطاعات عدة بالضفة الغربية بشكل كبير وتعطل بعضها، كما قطاع السياحة والذي يشكل 11% من سوق العمل الفلسطيني والذي تعطل بالكامل، حيث توقف خمسة آلاف عامل عن أعمالهم، فيما تراجع قطاع البناء في الضفة الغربية بنسبة 35%، حيث كان يعمل به 120 ألف عامل قبل الحرب.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها