ما زال المواطنون الذين رفضوا النزوح من مدينة غزة إلى جنوب القطاع مع بداية العدوان الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، يقبعون تحت "صدمة" الدمار والقتل الذي خلّفه جيش الاحتلال في أحياء سكنية واسعة من المدينة.

ورغم مرور يومين على انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من بعض الأحياء السكنية التي وصل إلى عمقها، إلا أن "الكارثة الإنسانية" التي خلفها ما زالت تتكشف رويدًا رويدًا.

وقال مواطنون في شهاداتٍ لهم: إن جثث الشهداء الملقاة في الشوارع بعضها متحلل والبعض الآخر نهشته الكلاب الضالة، مبينين أن تلك المشاهد تروي قصصًا عن ارتكاب مجازر وإعدامات ميدانية للسكان.

وأضافوا أن جيش الاحتلال حوّل مناطق سكنية كاملة إلى أكوام من الركام، فغدت بلا منازل أو بنى تحتية أو شبكات للمياه والكهرباء والصرف الصحي، وبلا شوارع معبدة، ولم تسلم المحال التجارية ومركبات المواطنين المدنية من التدمير والإحراق المتعمد من جيش الاحتلال، وفق شهاداتهم.

وقد استكمل يوم الثلاثاء، جيش الاحتلال الإسرائيلي انسحابه من ميناء مدينة غزة ومخيم الشاطئ (غرب) والشيخ رضوان (شمال)، والدرج والشجاعية والتفاح والزيتون (شرق). فيما أعاد تموضعه على الأطراف الشرقية من "الشيخ رضوان والشجاعية والزيتون والتفاح".

وجاء هذا التراجع عقب تسريح جيش الاحتلال عددًا من ألويته التي تشارك في الاجتياح البري الذي بدأ في 27 تشرين الأول/أكتوبر على قطاع غزة.

ويعجز الشاب محمود الخضري (30 عامًا) عن وصف الصدمة التي أصابت سكان حي المنارة، جنوب بركة حي الشيخ رضوان، بعد "معاينتهم لحجم الدمار الهائل في المباني السكنية والبنى التحتية"، فقد دمر جيش الاحتلال كل شيء في المنطقة، حتى المركبات الموجودة على قارعة الطريق، داسها بجرافاته ودباباته. 

وتابع: "الاحتلال جرف الطرقات وحولها إلى شوارع ترابية، والجثث ملقاة على الأرض، والكثير منها بدأت بالتحلل وأخرى نهشتها الكلاب الضالة".

ويضيف الشاب النازح إلى أحد مراكز الإيواء في مدارس حي الرمال غرب غزة: "إن جيش الاحتلال أجبر سكان غزة على النزوح من شمال وشرق المدينة، باتجاه المناطق الغربية من المدينة".

وفي محيط "دوار أبو مازن" غرب حي الرمال، خلف الاحتلال الإسرائيلي دمارًا غير مسبوق بالمنطقة، فالقصف والتوغل حوّل الحي إلى أكوام من الركام وخراب، وفق شهادة الشاب محمد عبد اللطيف.

ويقول عبد اللطيف: "ما لوحظ في المنطقة أن جيش الاحتلال استهدف الأبراج والمباني السكنية والمنشآت التجارية بشكل متعمد، ما خلف دمارًا وخرابًا واسعين".

وتابع: "المنطقة مليئة بالركام والمباني المدمرة، كما أصابت الأضرار الجزئية عددًا كبيرًا من المباني، فتجدها ما زالت واقفة مكانها رغم استهداف وإحراق عدد من شققها السكنية".

كما أخفت الآليات والدبابات الإسرائيلية معالم الطرق والشوارع والميادين التي كانت حيوية قبل بدء العدوان، حيث تم تجريفها بشكل كامل.

 

وعلى هذه الطرقات المدمرة، انتشرت جثث الشهداء المتحللة، حيث يقول عبد اللطيف، إن "قناصة الاحتلال التي كانت منتشرة فوق الأبراج السكنية المرتفعة كانت تستهدف المواطنين أثناء تنقلهم في المنطقة، ما أدى إلى استشهاد عدد منهم وبقائهم في وسط الشارع لتعذر وصول طواقم الإنقاذ لإسعافهم أو انتشالهم".

ولم يقتصر التدمير على المباني السكنية، بل امتد إلى شبكات المياه والصرف الصحي وخطوط الاتصالات والكهرباء، ما تسبب بتسرب المياه العادمة إلى الشوارع وشاطئ البحر.

وفي 23 كانون الثاني/ديسمبر الماضي، أعلنت الطواقم البلدية ‏انهيار منظومة الخدمات الأساسية في مدينة غزة وتعمق الكوارث الإنسانية والبيئية والصحية مع "استمرار العدوان الإسرائيلي المدمر، ونفاد الوقود اللازم للعمل، وتدمير معظم مرافق البلدية وآلياتها ومركباتها".

وفي حي النصر شمال غزة وبالتحديد قرب "مفترق اللبابيدي"، لم يكن وقع الدمار أقل صدمة على الشاب رأفت أبو النور (34 عامًا).

يقول أبو النور إن غالبية المباني السكنية إن لم تتعرض للاستهداف المباشر فإنها أصيبت بأضرار بالغة أو متوسطة.

ويضيف: "الكثير من المباني قد تكون آيلة للسقوط، جراء تعمد طيران الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ أحزمة نارية في هذه المنطقة".

ويفيد بأن تجريف الشوارع المعبدة أخفى معالم الأحياء السكنية، لدرجة أن يفقد الإنسان القدرة على التركيز إن كان هذا المبنى هو الذي يسكن به أم لا، على حد وصفه.

ويختم قائلاً: "مثل مدن الأشباح، هكذا أحال العدوان معظم أحياء مدينة غزة، بلا سكان ولا صوت، رغم أنها كانت من أكثرها حيوية فشوارعها رئيسية وأسواقها مركزية".

وفي حصيلة غير نهائية، ارتفع عدد الشهداء جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة لليوم الـ90 إلى أكثر من 22,430 شهيدًا، بينهم 9730 طفلاً و6830 إمرأة، بالإضافة إلى 7000 مفقود، وأكثر من 57,600 جريح.