في أعقاب الاحتلال الكولونيالي لفلسطين منذ عقود، تعد عملية إعادة بناء الحياة الفلسطينية رحلة شاقة تتطلب صموداً جماعياً، وتعاوناً دولياً، والتزاماً ثابتاً بتحقيق سلام دائم بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. إعادة بناء بلد بعد الحرب، وإنهاء الاحتلال، ليسا مجرد إعادة بناء للبنية التحتية، بل يتعلق الأمر بإحياء المجتمعات واستعادة الكرامة وتعزيز مستقبل واعد.
عندما تعصف أفكاري الداخلية وتشتبك ببعضها البعض، فإن مناقشات عقلي تدور حول نموذج إعادة بناء فلسطين، خاصة قطاع غزة، مستوحى من خطة مارشال. كانت خطة مارشال الأصلية، والتي كانت جزءاً أساسياً من تمويل استعادة أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ناجحة لأنها استخدمت مزيجاً من المنح النقدية والقروض، وكان للمتلقين بعض التقدير عندما يتعلق الأمر بالإنفاق. استخدمت الدول الأوروبية الأموال لشراء السلع الأساسية مثل القمح والنفط. تمت إعادة بناء المصانع والمساكن. وكانت الدولة هي العامل الرئيس في إعادة بناء معظم أوروبا، واليابان، وكوريا الجنوبية.


خطة مارشال، المعروفة أيضاً باسم برنامج التعافي الأوروبي، هي عبارة عن برنامج أميركي يقدم المساعدة لأوروبا الغربية في أعقاب الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية. قُدّمت الخطة في العام 1948، وقدم أكثر من 15 مليار دولار للمساعدة في تمويل جهود إعادة البناء في القارة. الخطة من بنات أفكار وزير الخارجية الأميركي جورج سي مارشال، الذي سُميت الخطة باسمه، وضعها كخطة مدتها أربع سنوات لإعادة بناء المدن والصناعات والبنية التحتية التي تضررت بشدة خلال الحرب وإزالة الحواجز التجارية بين الجيران الأوروبيين، وكذلك لتعزيز التجارة بين تلك البلدان والولايات المتحدة.
تكمن الخطوة الأولى في هذه الرحلة بالتجديد في التعامل مع الاحتياجات الإنسانية الفورية لأبناء قطاع غزة، والمتضررين بشكل يومي من الاقتحامات في الضفة الغربية. يجب توفير الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والماء والمأوى والرعاية الطبية على وجه السرعة للأفراد المتأثرين. تلعب المنظمات الإنسانية، سواء المحلية أو الدولية، دوراً حيوياً في تقديم المساعدة والدعم للمجتمعات التي تحمل عبء الحرب. وإعادة إحياء الخدمات الأساسية تمهد الطريق للثبات وتسمح للأفراد بإعادة بناء حياتهم.


المطلوب هو تطوير الخدمات العامة واقتصاد الرعاية بتمويل كامل من الدولة. يجب أن تكون لدينا نظرة حذرة إلى عائد الاستثمار، ويجب أن يصبح هذا جزءاً من الحوار السياسي الرئيس في فلسطين وبين شركائها الدوليين، خاصة دول الجوار. وهنا على الحكومة "حكومة إنقاذ وبناء" تنفيذ خطة الإنعاش. لذلك يجب أن تكون للدولة الفلسطينية "ملكية لعملية إعادة البناء".
علاوة على ذلك، يجب أن يتم التعرف على الدور الرئيس للمجتمع المدني، الجمعيات الخيرية والنقابات، والتمويل من الدولة لمبادرات المجتمع المدني، في الوقت نفسه، يجب بذل جهد مشترك لإحياء الاقتصاد. عملية إعادة البناء تتضمن ليس فقط إعادة بناء البنية التحتية، ولكن أيضاً إعادة إحياء الأنشطة الاقتصادية. الاستثمار في خلق فرص العمل، وبرامج التدريب المهني، ومبادرات الأعمال الصغيرة هي جوانب أساسية لاستعادة الاقتصاد. وهذا لا يوفر الإغاثة الفورية فقط ولكنه أيضاً يمكّن الأفراد من المساهمة بفعالية في عملية إعادة البناء.
التعاون الدولي أمر أساسي في إعادة بناء الأمة بعد الحرب. قضية فلسطين ليست قضية يمكن معالجتها وهي معزولة، فهي تتطلب جهداً منسقاً من المجتمع الدولي. المبادرات الدبلوماسية، والمساعدات الخارجية، والشراكات مع المنظمات الدولية ضرورية لضمان الدعم المستمر لعملية إعادة البناء. إن إيجاد بيئة سياسية مواتية، مع التركيز على الحوار والمصالحة، أمر حيوي لتحقيق استقرار طويل الأمد.


يظهر العلاج من جراح الحرب أيضاً كجزء أساسي من العملية، حيث يتعين التعامل مع التأثيرات النفسية والاجتماعية على الأفراد والمجتمعات. خدمات دعم الصحة النفسية، والاستشارات لعلاج الصدمات، والمبادرات المجتمعية يمكن أن تساعد في التخفيف من تأثيرات الصدمات. إعادة بناء التماسك الاجتماعي مهم كما إعادة البنية الجسدية، حيث يحتاج المجتمع المفتت إلى التلاحم.
في مواجهة الصعوبات، أظهر الشعب الفلسطيني قدرة رائعة على التحمل. إن عملية إعادة البناء فرصة ليس فقط لإصلاح ما تم كسره، ولكن أيضاً لخلق مجتمع أكثر عدالة وإنسانية ورحابة. إنها تتطلب التزاماً بتعزيز ثقافة السلام والتسامح والتفاهم يتجاوز الحدود الوطنية.
في حين نفكر في المهمة الصعبة لإعادة بناء أمة بعد الحرب، دعونا ندرك أن الطريق إلى الأمام صعب، ولكن يمكن التغلب عليه. من خلال العمل المشترك مع المجتمع الدولي، يمكن لشعبنا أن يتطلع إلى مستقبل يتحقق فيه وعد أن تكون مزدهرة ومتقدمة.