٥٩ عامًا مرت على ذكرى الانطلاقة، انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي كانت بمثابة فجر جديد في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني، وولادة متجددة للهوية الوطنية، التي انبثقت من بين رماد ونار النكبة، بعدما أرادت قوى الغرب الاستعماري ودولتهم اللقيطة اسرائيل، التي أقاموها على انقاض نفي الشعب وعبر عملية تطهير عرقي طالت 950 ألفًا من المشردين والمهجرين قسريًا من ديارهم إلى الشتات والمنافي، وسعوا لطمس الشخصية الفلسطينية العربية للشعب من خلال مؤامرة التوطين، وتحويل قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مجرد قضية إنسانية تتعلق بتأمين مساعدات إنسانية، ونزعوا عن قضيتهم البعد السياسي القانوني، وحالوا دون استقلالهم وعودتهم لمدنهم وقراهم. 


لكن الطلقة الأولى التي أطلقتها حركة "فتح" (قوات العاصفة) في مطلع كانون ثاني / يناير1965 غيرت مجرى التاريخ آنذاك، وقلبت المعادلات السياسية العربية والإقليمية والدولية، وأشعلت نيران البركان الفلسطيني، وتعاظمت مع إنطلاقة الظاهرة العلنية للثورة الفلسطينية بعد هزيمة حزيران / يونيو 1967 وهزيمة الجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة آذار / مارس 1968 أمام وحدة وتلاحم الفدائيين مع الجيش الأردني، ومع تولي قيادة الثورة مركز القرار في منظمة التحرير الفلسطينية  1969، وما تلاها من إنجازات سياسية وديبلوماسية ونقابية وكفاحية في معارك المواجهة في الجنوب اللبناني عام 1972 و1974 و1978، ومنها معركة قلعة شقيف البطولية، وهزيمة مشروع الانعزاليين المدعوم أميركيًا وإسرائيليًا وبعض العرب، رغم تدمير ومسح مخيم تل الزعتر والخسائر الفاحة، والصمود الأسطوري في بيروت العاصمة اللبنانية من حزيران / يونيو الى أيلول سبتمبر 1982، والخروج من بيروت مرفوعي الرأس، وهزيمة مشروع مصادرة القرار الوطني في البقاع وطرابلس الغرب، والانتصار في مخيمات بيروت: صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، التي استمرت عامين 1985/ 1987، ثم الإنجاز الوطني النوعي في الانتفاضة الكبرى/ الثورة في الثورة 1987/ 1993. 


كل هذه وغيرها من الإنجازات تبوأت فيها حركة "فتح" مركز الصدارة والقرار، لا بل كانت هي القوة الرئيسية المحركة لها والمستهدفة من المؤامرات، كونها كانت عامود الخيمة، وصاحبة الرصاصة الأولى، وحتى بعد إنشاء السلطة في العام 1994 تمكنت الأجهزة الأمنية من وأدَ الفتنة وازدواجية السلطة، التي قادتها آنذاك حركة حماس في 18 تشرين ثاني / نوفمبر، وتصدت الأجهزة الأمنية وفصائل الثورة للاجتياحات والاقتحامات الإسرائيلية المختلفة، وقادت الانتفاضة الثانية 2000 الى 2005 في اعقاب فشل مؤتمر كامب ديفيد الفلسطيني الإسرائيلي برعاية الرئيس كلينتون تموز / يوليو 2000، وواجهت "الدرع الواقي" الذي شنه شارون على الضفة في 29 آذار / مارس 2002، وغيرها من المعارك البطولية، التي قدمت فيها كتائب الأقصى ومنتسبي الأجهزة الأمنية نماذج رائعة في الدفاع عن الاهداف الوطنية. 


كما قدمت معظم أعضاء اللجنة المركزية التاريخيين شهداء قربانًا للدفاع عن الثورة ومنظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسهم الرمز الرئيس المؤسس ياسر عرفات وأبو جهاد وأبو اياد وأبو الهول وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وخالد وهاني الحسن وأبو الاديب وأبو صبري وأبو علي اياد وماجد أبو شرار وصخر حبش والمئات والآلاف من القادة والكوادر. ومازال المناضلون الفتحاويون في كتائب الأقصى وغيرها من أذرع المقاومة وكتائبها يقدمون أرواحهم فداء لفلسطين وحريتها واستقلالها وسيادتها. 


ورغم كل ذلك، هناك العديد من الأسئلة المثارة حول واقع حركة "فتح"، وليتحملني الفتحاويون: هل فتح بخير؟ هل هناك وحدة تنظيمية متماسكة؟ وهل هناك رؤية جامعة للكل الفتحاوي سياسية وكفاحية؟ وهل وضع الرأس في الرمال وعدم رؤية المثالب والنواقص والعيوب الجهوية والمناطقية والمحسوبية والعشائرية والشللية يجوز؟ وهل العيش على أمجاد التاريخ يكفي؟ وهل التذرع بالفكرة وأهميتها يحمي العامود الفقري للثورة ومنظمة التحرير؟ وهل يعفي أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري ومسؤولي الأقاليم من المسؤولية؟ وهل الصمت على الأخطاء والخطايا مقبول ومبرر؟ الم يسمعوا سخط وغضب الشارع الفتحاوي خاصة والشارع الفلسطيني عامة من اداءهم ودورهم؟ هل غض النظر عن الخطايا على الأرض، وتقدم الاخرين من حركات وفصائل وحتى رجال اصلاح وعشائر في الميدان على حساب مواقع حركتكم يرضي أحد؟ ولماذا يتم ذلك؟ ومن المستفيد من التهالك وعدم الوحدة التنظيمية؟ وماذا ينتظروا لعلاج ومحاربة كل مظاهر الخلل والارباك؟ وماذا عن حرب الإبادة منذ 84 يومًا؟ هل كنتم على مستوى المسؤولية؟ وهل سياسة الانتظار خدمتكم؟ وما هي رؤيتكم لمواجهة التحديات الجارية على قطاع غزة والضفة الفلسطينية وعلى رأسها القدس العاصمة؟   
أصارحكم القول من موقعي كشخصية مستقلة وداعمة لحركتكم الرائدة، أن صورتكم في الشارع الفتحاوي وأوساط الرأي العام الفلسطيني سلبية جدًا، ورصيدكم يتآكل، ومكانتكم تتراجع، ومن يعتقد غير ذلك فليتفضل ينزل إلى الشارع إلى الجامعات والبلديات والمجالس المحلية والمخيمات وإلى الجاليات والشتات ليرى بأم عينه ويسمع بأذنه. والمقولة التي يرددها بعض القادة المركزيين في حركة "فتح": طول عمر فتح هيك، وعندما تحين لحظة المواجهة، ويرتفع شعار "غلابة يافتح غلابة، ينهض الجميع" أعتقد أن ذلك كان ينفع في زمن النهوض، الآن لم يعد ينفع، لذا أرجو أن تنهضوا وتواجهوا ذاتكم وخطاياكم أن كنتم حريصون على بقاء حركتكم قائدة الكفاح الوطني التحرري. المجتمع والطبيعة يرفضا الفراغ، والباقي عندكم. وعاشت الذكرى المجيدة ال58 لحركة "فتح"، قائدة النضال الوطني.