بقلم: سامي أبو سالم

لم يكُف الطفل حامد الزين ابن العامين ونصف عن الأنين وكأنه لا يستطيع البكاء وهو يرمي برأسه وعينيه الذابلتين على كتف والدته التي تحمل "تذكرة فحص دم" في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح وسط قطاع غزة.

لم تتجه أم حامد إلى المختبر داخل المستشفى، بشكل مباشر بل أخذت طريقًا التفافيًا تجنبًا للمجاري التي طفحت وتجري في ساحة المستشفى.

وقالت: إن طفلها يعاني من أزمة معوية منذ زهاء الشهر بسبب سوء التغذية وتلوث المياه والبرد.

وأضافت أم حامد: أن طفلها لا يتناول الطعام إلا بعض الخبز وقليل من الزعتر أو "الدُّقة" وهي "مسحوق قمح محمص مع ملح" بشكل يومي، فما كان معها من مال نفد، ولا تستطيع شراء طعام ولا مغيث حولها، وابني فقد نصف وزنه، كان حوالي عشرة كيلو غرام والآن 6 كيلو، بسبب التلوث أيضًا وسوء الأكل."

وأكدت أن القاطنين في البيت الذي اتخذت منه مأوى حريصون كل الحرص على النظافة لكن شح الماء هو السبب الرئيس في التلوث.

وقالت أم حامد: إنها هربت وعائلتها من بلدة جباليا شمال غزة، أواسط أكتوبر الماضي، وتقطن الآن في بيت أحد الأصدقاء مع عشرات من عائلات أخرى، نحن عائلة "بخير" لدينا أموال وأملاك لكننا هربنا تحت القصف من جباليا ولم نأخذ معنا شيئا لا ملابس ولا مال ولا نستطيع شراء ما يلزمنا من ملابس وطعام صحي وأدوية.

 

في قسم الأطفال المزدحم في المستشفى لم يكن لدى أخصائي الأطفال الطبيب وائل شحادة وقتا للحديث مع أي صحافي.

ينتقل من غرفة لغرفة وبين الأسرّة الني ملأت ممرات المستشفى، وبالكاد اقتنص دقيقة للحديث وقال، إن أكثر الأمراض انتشارا بين الأطفال في هذه الآونة هي النزلات المعوية والالتهابات الصدرية.

وأضاف أن القسم كان يتعامل يوميا مع زهاء 70 حالة قبل السابع من أكتوبر، بينما يستقبل في هذه الآونة زهاء 350 حالة.

وكشف أن معظم الحالات من بيوت الإيواء حيث "التزاحم هناك يسبب انتشارا سريعا للعدوى، وأيضا شح الماء يسبب قلة نظافة ما يخلق بيئة خصبة للبكتيريا والفيروسات، إضافة لسوء التغذية والبرد"، قال الطبيب شحادة.

وقال تقرير للأونروا: نزح ما يصل إلى 1,9 مليون شخص (أو أكثر من 85 بالمئة من السكان) في مختلف أنحاء قطاع غزة، بعضهم عدة مرات. ويتم إجبار العائلات على الانتقال بشكل متكرر بحثًا عن الأمان.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس غيبريسوس في منشور على منصة إكس: إن الجوع يضعف دفاعات الجسم وإن غزة تشهد بالفعل معدلات مرتفعة لتفشي الأمراض المعدية، وحالات الإسهال بين الأطفال دون سن الخامسة تضاعفت 25 مرة عما كانت عليه قبل العدوان.

على باب غرفة الطبيب الأخصائي بالمستشفى نسوة ورجال جلسوا يحملون أطفالهم في أحضانهم بانتظار دورهم للكشف عن عنهم.

أوصل ممرض أنبوب محلول تغذية في ذراع الطفلة فاطمة وسيم صالح، ابنة الأربعة أشهر، فيما كانت تبكي لسبب غير مفهوم وهي في حضن والدتها، ويحاول والدها أن يداعبها لكن دون استجابة.

وقال والدها وسيم: إن طفلته تعاني من إسهال منذ أسبوع على الأقل وواضح أنها فقدت من وزنها.

وأشار إلى أن الإسهال سبّب الجفاف سيما وأنها فطمت نفسها ولم تعد تقبل الرضاعة الطبيعية لسبب غير معلوم".

أما بسنت شنغان، وهي نازحة من بيت لاهيا شمال غزة، فتقطن في إحدى خيام النزوح في الباحة الأمامية للمستشفى، جاءت بابنها يوسف ابن الست سنوات الذي لم يستطع الوقوف على قدميه من البرد والتعب.

تحاول بسنت مساعدة طفلها في الوقوف على قدميه وهو يرتجف ويصر على التمدد على البلاط في مدخل المستشفى.

وتقول بسنت أم الأطفال الأربعة إن ابنها يوسف يعاني من نزلة معوية وابنتها نجمة (8 سنوات) تعاني من أمراض جلدية بسبب سكنها في خيمة بجانب كومة من القمامة وسط شح الغذاء والماء والدفء.

وكان الناطق باسم وزارة الصحة بغزة أشرف القدرة، قد طالب المؤسسات الأممية بالعمل على توفير المياه والغذاء الكافي والرعاية الصحية المناسبة في مراكز الإيواء لأكثر من 700 ألف طفل و50 ألف سيدة حامل و1100 مريض غسيل كلى وآلاف الجرحى.