بقلم: زهران معالي
يفتقد وسط مدينة رام الله جزءاً من تفاصيله اليوم وإلى الأبد، فلا صوت لبائع المريمية الجبلية بلال صالح، الذي كان يمكن للمتجولين مشاهدته أغلب أيام السنة وسط المدينة خلف عربة الأعشاب خاصته.
السبت، كان آخر يوم يطوف فيه المزارع صالح "40 عامًا"، جبال قرية الساوية جنوب نابلس مسقط رأسه وبين حقول أرضه لقطف ثمار الزيتون برفقة عائلته وأقربائ، قبل أن يعدمه مستعمر برصاصة بندقية من نوع "M16" استقرت في صدره.
يقول ابن عم الشهيد بلال حامد شاهين: إن "بلال توجه برفقة عائلته وشقيقه وأبناء عمه إلى حقول الزيتون خاصتهم بالمنطقة الشمالية من القرية، لقطف ثمار الزيتون آملًا إنهاء الموسم بأقصى سرعة ممكنة مع تصاعد اعتداءات المستعمرين".
ويضيف: "يوم الجمعة الماضي بدأت العائلة بقطف ثمار الزيتون، على الجبل المقابل لمستعمرة "رحاليم" التي أقيمت على أراضي الساوية ويتما وشاهدت العائلة عشرات المستعمرين برفقة الجيش يرقصون وسط الشارع".
وتابع شاهين: "نزلنا جميعًا لقطف الزيتون، بهدف اللمة التي اعتادت العائلة على الاجتماع فيها كل موسم وبهدف إعانة بعضنا البعض على القطف ولحماية بعضنا من اعتداءات المستعمرين".
ويضيف: "قرابة الساعة العاشرة صباح السبت، شاهد بلال الذي كان أسفل الجبل برفقة زوجته وأطفاله الأربعة وهو يقطف الزيتون أربعة مستعمرين يرتدون الزي الديني قادمين نحوهم من الطرف الآخر فأمر عائلته بالمغادرة نحو أرض جدهم في أعلى الجبل ولكن ما إن وصلوا حتى سمعوا أصوات إطلاق نار في أرض بلال".
أسرع حامد ومن كان من أقربائه تجاه أرض بلال، ليتفاجؤوا به ملقى على وجهه فوق بركة من الدماء بعدما استقر رصاص المستعمر في صدره فحملوا الشهيد على سلم خشبي باتجاه الشارع الرئيس الذي يبعد قرابة 100 متر عن أرضه، قبل أن ينقلوه بمركبة إلى مستشفى الشهيد ياسر عرفات في سلفيت حيث أُعلن عن استشهاده.
والشهيد أب لأربعة أطفال أكبرهم "14 عامًا" وأصغرهم "6 أعوام"، كانت أعشاب المريمية والزعتر والزعيتمان والنعنع، وموسمي التين والصبر، مصدر قوت أبنائه على بسطة صغيرة بمدينة رام الله وفق ما يؤكد شاهين.
ويقول شاهين: "هذه أول مرة نتعرض لاعتداءات في تلك المنطقة كونها لا تحتاج إلى تنسيق لكن هذا العام شهد جنون المستعمرين ومهاجمة أي شيء في ظل إغلاق جيش الاحتلال كل طرق القرية بالسواتر الترابية".
وبارتقاء الشهيد صالح، يرتفع عدد الشهداء الذين ارتقَوا برصاص مستعمرين منذ بداية العام إلى 20 شهيدًا ثمانية منهم منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين أول/ أكتوبر الجاري وفق ما تؤكد هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
ومنذ بدء العدوان على قطاع غزة، أخذت اعتداءات المستعمرين منحى جديدًا من أشكال القمع والترهيب والوعيد بارتكاب المجازر وتكرار نكبة جديدة كنكبة 1948 بحق الفلسطينيين إن لم يغادروا "طواعية".
ويوم الخميس الماضي، تفاجأ مزارعون من بلدة دير استيا غرب سلفيت بعد انتهائهم من قطف ثمار الزيتون بمنشورات على مركباتهم علقها مستعمرون، وكُتب عليها "إذا أردتم نكبة مثيلة لنكبة 1948 فوالله ستنزل على رؤوسكم الطامة الكبرى قريبًا لديكم آخر فرصة للهروب إلى الأردن بشكل منظم فبعدها سنُجهز على كل عدو وسنطردكم بقوة من أرضنا المقدسة التي كتبها الله لنا".
ويقول رئيس بلدية دير استيا فراس ذياب: "إن معدل اعتداءات المستعمرين ازداد بشكل ملحوظ منذ تولي حكومة المستعمرين بزعامة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش الحكم في دولة الاحتلال وتصاعد بشكل ملحوظ منذ بدء العدوان على القطاع".
ويضيف: أن" تعليق المستعمرين منشورات على مركبات المواطنين، يأتي ضمن الأسلوب القديم الحديث الذي يهدف إلى إجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم وإحلال المستعمرين فيها عبر سياسة التضييق على المواطنين وممارسة أبشع أنواع الاعتداءات".
ويؤكد ذياب، أن المستعمرين وجيش الاحتلال يوميًا يتعرضون للمزارعين في أراضيهم ويمنعونهم من قطف ثمار الزيتون حتى المناطق المصنفة "ب" لم يعد يتمكن الفلسطينيون من قطف ثمار الزيتون فيها.
وتبلغ مساحة أراضي دير استيا "36" ألف دونم تقع ستة آلاف منها في المنطقة المصنفة "ب" فيما البقية في المناطق المصنفة "ج"، إلا أن الاحتلال استولى على آلاف الدونمات من أراضيها لصالح المستعمرات.
ويشير، إلى أن سلطات الاحتلال خلال عامي 2022-2023، استولت على قرابة "7200" دونم من أراضي القرية لأغراض استعمارية بعضها دون قرارات معلنة وأقامت عليها بؤرًا أو وسعت مستتعمرات قائمة إضافة إلى ثمانية آلاف استولت عليها في السابق.
ويزداد الحال صعوبة في التجمعات البدوية الفلسطينية في المناطق المصنفة "ج"، التي تشهد تصاعدًا ملحوظًا لاعتداءات المستعمرين باستخدام أساليب الترهيب والرعب حتى اضطر عدد من تلك التجمعات إلى النزوح عنها.
وصباح اليوم الأحد، كان تجمع عرب الكعابنة في المعرجات غرب أريحا على موعد مع اعتداء جديد على أهالي التجمع بعدما علق مستعمرون العلم الإسرائيلي على مدرسة التجمع الأساسية عقب أن ألقوا دمى ملطخة بالدماء أمام المدرسة ذاتها يوم الخميس الماضي.
ويرى المشرف على منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو حسن مليحات، أن تلك الاعتداءات تأتي في إطار خلق جو من الرعب والترويع بين الطلبة ولاستفزاز مشاعر المواطنين مؤكدًا أنها "حدث خطير جدًا ويؤشر على بداية التهجير القسري لسكان المنطقة تحت الضغط ولهذا تبعات جسيمة".
ويؤكد مليحات، أن "التجمعات الفلسطينية في مناطق "ج" تخوض حرب وجود مع المستعمرين وجيش الاحتلال، الذين يستغلون العدوان على غزة لإجبار المواطنين على الرحيل وإحلال المستعمرين مكانهم".
كما يوضح مليحات منذ بدء العدوان، رصدت المنظمة إجبار 10 تجمعات بدوية في الضفة الغربية على الرحيل من تجمعاتها التي يقطنها أكثر من ألفي مواطن في مناطق رام الله والقدس وأريحا ونابلس والخليل مثل تجمع وادي السيق والزتونة، وتجمع المعرجات الوسطى وعين الزّراعة وعين الرشاش.
ويشير، إلى أن جيش الاحتلال والمستعمرين نغصوا عيش المواطنين وجعلوا حياتهم جحيمًا عبر سياسة ممنهجة بإغلاق الطرق المؤدية إلى تجمعاتهم ومنعهم من التنقل والرعي وتوفير احتياجاتهم وإطلاق النار وخلق جو من الرعب والهلع لدى الأهالي لإجبارهم على الرحيل.
ويتابع: "هذه أخطر مرحلة وأصعبها على التجمعات الفلسطينية في المناطق المصنفة "ج" فجيش الاحتلال يأتمر بأوامر المستعمرين خاصة بعد قرار بن غفير تسليم المستعمرين الأسلحة إذ منحهم فيها رخصة لممارسة القتل والإرهاب وارتكاب المجازر".
ويؤكد، أن "الهدف من كل ذلك السيطرة على الأرض وإجبار الفلسطينيين على مغادرتها، لخلق ترابط استعماري بين مستعمرات الضفة الغربية وأراضي الـ48 وإبقاء الفلسطينيين في جزر معزولة".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها