بقلم: زهران معالي
الخميس الماضي، انطلقت ثلاث مركبات عمومية تعمل على خط جنين- رام الله من مجمع بلدية البيرة قاصدة مدينة جنين، تقل طالبات جامعيات وموظفين، متجهة عبر طريق بديلة "الطيبة – دير جرير"، أملا في سلك طريق آمن للوصول إلى حاجز الحمرا ثم إلى مدينة جنين، بعدما أغلق الاحتلال ومستعمروه الطريق الواصل بين مدينتي رام الله ونابلس.
وعادة، كان مسار الرحلة بين رام الله وجنين خلال السنوات الماضية يستغرق قرابة الساعة ونصف الساعة، لكن هذه المرة تجاوز أربع ساعات، بعدما وقع ركاب المركبات الثلاث بـكمين للمستعمرين كاد يودي بحياته.
"الخميس الماضي نجونا من موت محتم"، هكذا وصف السائق طارق شعبان تجربته في ذلك الوقت، كونه عاصر سنوات إغلاق الطرق الرابطة بين مدن الضفة الغربية خلال انتفاضة الأقصى، ودرايته بالطرق الالتفافية جيدا.
ويروي شعبان تفاصيل الحادثة، بالقول: عندما وصلت المركبات الثلاث إلى التواء حاد قريب من دوار بلدة الطيبة شمال شرق رام الله، تفاجأ بمركبة متوقفة في منتصف الطريق تبدو أنها متعطلة، وما إن توقفت المركبات حتى باغتهم أكثر من عشرة مستعمرين بتصويب أسلحتهم من طرفي الطريق نحوهم وبعضهم أطلق الرصاص بالهواء.
ويتابع: "من الصدمة، أحد الركاب بالمركبة العمومية الثانية فتح الباب ونزل منها وبدأ يركض للهرب، لكن لحظات حتى وصل أكثر من 15 مستعمرا آخر إلى الموقع، وأحدهم حاول خطف مفتاح مركبتي، وكوني أحمل طالبات الجامعة اضطررت إلى المخاطرة والهرب، فبدأ بإطلاق النار أمام المركبة".
ويتابع: "نجونا بأعجوبة من رصاص المستعمرين واضطررنا إلى العودة إلى بلدة الطيبة، حتى انسحب المستعمرون وأكملنا مشوارنا، كان المشوار الأطول لجنين، فقد انطلقنا من مدينة رام الله الساعة الـ12 ظهرا لكن لم نتمكن من الوصول قبل الرابعة عصرا".
"عاصرت العمل في انتفاضة الأقصى ونقل الركاب بين المدن، وكنا نواجه اعتداءات من جيش الاحتلال أقصاها إما الضرب أو تكسير نوافذ أو إطارات المركبة، لكن هذه الفترة من أخطر مراحل العمل والتنقل لكل الفلسطينيين، الخطر كبير جدا وهو إطلاق الرصاص من الجيش والمستعمرين". يؤكد شعبان.
ويحذر من أساليب المستعمرين في إلحاق خسائر بممتلكات المواطنين وأرواحهم، تتمثل في سكب زيت محروق على المنعطفات الحادة في الطرق كما فعلوا قبل قرابة أسبوع قرب قرية برقة شمال نابلس، وكذلك إلقاء الحجارة من مركباتهم أثناء سيرها باتجاه مركبات المواطنين، الأمر الذي ينذر بكارثة في حال عدم يقظة السائقين الفلسطينيين.
ومنذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من الشهر الجاري، باتت الشوارع الرابطة بين مدن الضفة الغربية وقراها محفوفة بخطر مضاعف، من اعتداءات عصابات المستعمرين وكمائنهم، وإغلاق الحواجز العسكرية، والاحتجاز لساعات.
وصعّدت سلطات الاحتلال منذ بدء العدوان على قطاع غزة، اعتداءاتها في الضفة الغربية، حيث أغلقتها بشكل كامل وحولتها إلى معازل بعدما حاصرت المدن بحواجز عسكرية، وأغلقت مداخل القرى ببوابات حديدية ومكعبات إسمنتية وسواتر ترابية، كما أطلقت العنان للمستعمرين لتصعيد اعتداءاتهم.
تلك الاعتداءات وإجراءات العقوبات الجماعية التي تفرضها قوات الاحتلال على الفلسطينيين بالضفة الغربية، انعكست على حياتهم وتنقلاتهم وأعمالهم، وأجبرتهم على إجراء تحولات في عملهم كالعمل عن بعد أو المبيت في أماكن عملهم، واضطرت الجامعات إلى التحول إلى التعليم الإلكتروني خشية على حياة الطلبة، وحفاظا على استمرار المسيرة التعليمية.
وتبدو تلك التحولات جلية، بتذبذب حركة المركبات الفلسطينية على الطرق الرابطة بين المدن والقرى الفلسطينية في ساعات النهار وشللها ليلا، واختفائها من بعض الطرق كما الحال في المنطقة الممتدة من حاجز حوارة حتى حاجز زعترة جنوب نابلس التي باتت حكرا على مركبات المستعمرين.
ويقول مسؤول خط نابلس – رام الله وجنين – رام الله في نقابة مكاتب التكسي جواد عمران، إن نسبة المركبات العاملة على الخطين تراجعت منذ بدء العدوان بنسبة 90%، فمن أصل 110 مركبات تعمل على خط نابلس- رام الله يعمل حاليا فقط 10-15 مركبة، وعلى خط جنين رام الله تراجعت من 47 مركبة إلى 10 مركبات فقط.
ويعزو عمران التراجع إلى الإذلال عند الحواجز العسكرية، وهجمات المستعمرين، وإطلاق النار، والتفتيش والاحتجاز والاعتقال، وعزوف المواطنين عن التنقل إلا في الحالات الطارئة، مؤكدا أن "الطرق سيئة جدا، ففي السابق كان السائق يحتاج إلى ساعة بأقصى حد للوصول من نابلس إلى رام الله، لكن حاليا يتجاوز الساعتين وأحيانا الساعتين ونصف الساعة، لاضطرار السائقين إلى سلك طرق بديلة".
ووفق عمران، فإن إغلاق الطرق انعكس على أجرة الركاب بنسبة تتراوح بين 3-6 شواقل على كل راكب، بعدما ازدادت المسافة التي يقطعها السائقون في الطرق الالتفافية التي قد تصل إلى قرابة 20 كم.
ولا يكاد يمر يوم دون أن يسجل اعتداء على سائق عمومي من الجيش أو المستعمرين، وعمران ذاته يشير إلى اعتداء تعرض له قبل يومين برفقة زوجته وابنته أثناء عودته من الأردن إلى نابلس، حيث أوقفه حاجز طيار لجيش الاحتلال قرب قرية العوجا وانهال عليه الجندي بالشتائم والضرب.
ويوضح عمران أن الجندي صرخ بوجهه "هذه شوارع أرض إسرائيل ونحن في حرب، ولازم كل فلسطيني يموت"، وأمره بالتحرك فورا من المكان.
السائق بسام صالح من بلدة الساوية الذي يعمل على خط نابلس – رام الله، تعرض لاعتداءين من المستعمرين وجيش الاحتلال، فأمس الأول، اضطر إلى ترك مركبته في مجمع الكراجات بالبيرة، والعودة برفقة زميله إلى قريته الساوية، ليفاجأ بتجمع للمستعمرين قرب مستعمرة "شيلو"، وما إن فر منهم، حتى أشهر جنود الاحتلال المتمركزون عند مدخل القرية السلاح نحوهما وأفرغ مخزن رصاص فوق رأسيهما، وأمس، أشهر أحد المستعمرين سلاحه نحوه برفقة الركاب قرب عيون الحرامية.
"لم يمر علي خلال عملي منذ عام 2005 أخطر من هذه المرحلة، ولولا أنني مضطر إلى العمل لتأمين الدواء لولدي لما خرجت"، يتابع صالح.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها