بقلم: عاطف أبو الرب
في مبنى ضارب في القدم، أشبه بالكهوف المنحوتة في الصخر، في الفاخورة وسط بلدة جبع جنوب جنين، ما زال جمال الفاخوري يداعب دولاب الخزاف بأصابعه، لينتج للمستهلك تحفا وأدوات من الفخار.
يشير الفاخوري إلى أنه ورث العمل في الفاخورة عن والده، وعاصر السنوات الأخيرة من عمل جده في هذه الفاخورة، منوهاً إلى أن العائلة تتوارث العمل في صناعة الفخار منذ حوالي ثلاثة قرون، ولا تزال، العائلة التي اكتسبت اسمها من حرفتها، تحافظ على هذه المهنة رغم تراجع الإقبال على أدوات وأواني الفخار.
يقول الفاخوري: ورثت هذه المهنة عن والدي، وحاولت أنقل ما تعلمته إلى أبنائي حتى تبقى مهنة حية، أعمل في نفس المبنى، مع بعض التحديثات، حيث أدخلنا الكهرباء، فيما صار تحضير الصلصال وعجنه بواسطة آلة بسيطة، كل هذا خفف من العناء الذي كان يتكبده صانع الفخار في تشكيل الصلصال، ما خفف من الجهود المبذولة في ذلك.
ويشير الفاخوري إلى أن الدولاب كان يعمل بواسطة القدم، حيث يستمر عامل الفخارة بالحركة طوال الوقت، واليوم صار يعمل هذا الدولاب بواسطة الكهرباء، ما يوفر الجهد على العامل، ليكون أكثر تركيزا في تعامله مع الصلصال، وينتج أجمل القطع، ويقدم تحفا تزين البيوت والمحال التجارية، والمؤسسات.
ويضيف الفاخوري: "يبدأ العمل بإحضار الأتربة الخاصة في هذا النوع من الفخار، حيث يوجد في جبع نوعين من التراب، يتم خلطها بنسب معين، وتعجينها، بعد تنقيتها من الشوائب، ويتم الاحتفاظ بها لأشهر مغطاة، وتعبر هذه المرحلة الأصعب، لذلك يتم تحضير كميات تكفي لفترات طويلة والاحتفاظ بها لحين الحاجة".
أما عن تشكيل الصلصال فيقول: "إن فكرة العمل واحد، حيث تم وضع الصلصال المطرى على الدولاب، جمالية المنتج تعتمد على مهارة العامل، حيث إن الأساس في كل ما يتم إنتاجه هو قدرة العامل على فهم الشكل المطلوب، وتحريك أصابع يده ليقدم عشرات الأشكال من منتجات الفخار، وبأحجام مختلفة. ونوه إلى أن بعض المنتجات يتم تصنيعها على أكثر من مرحلة، وذلك بناء على التفاصيل الموجودة في المنتج، خاصة أباريق المياه، وبعض أدوات الشرب، والزينة، والتخزين".
أما مرحلة التزيين، فيشير الفاخوري إلى أن التزيين يبدأ من لحظة التشكيل على الدولاب، ويتم ذلك إما بواسطة الأصابع، أو بأدوات بسيطة سواء قطعة معدن أو سلك، وذلك حسب النقش المطلوب. أما المرحلة الثانية فهي بتلوين الفخار بالألوان والرسومات المطلوبة، وكل ذلك يخضع للمزاج السائد، ففي بعض الأوقات يتم طلب رسومات من الطبيعة مثل الأزهار والطيوب، وأحيانا تم رسم خطوط ومنحنيات بألوان تتوافق مع المزاج السائد في المرحلة الزمنية.
فيما تأتي المرحلة الأخيرة في صناعة الفخار، وهي حرق الفخار داخل فرن، تصل حرارته 1000 درجة مئوية، حيث يتم إشعال النار داخل الفرن، ووضع الفخار الذي يتم تجميعه داخل الفرن، وبعد عملية الحرق يمكن الاحتفاظ بالفخار لعشرات السنين، حيث يصبح مقاوم للكثير من الظروف الجوية.
يقول الفاخوري: "هناك رجوع ملحوظ للأصل، أصبح عدد لا بأس به من المطاعم يستخدم الفخار في الطبخ، سواء في المطاعم أو الكفتيريات، التي تقدم القهوة بواسطة فناجين من الفخار. إضافة إلى تمسك بعض العائلات أو الأفراد باستخدام الفخار لمياه الشرب، لأنها تعطي مذاق خاص، وتحافظ على العناصر المفيدة في المياه".
يأمل الفاخوري في أن يحافظ أبناؤه على مهنة توارثتها عشرات الأجيال من عائلته لتبقى شاهدا على عراقة المهنة، وتبقى رمزا من رموز التراث الفلسطيني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها