بقلم: إسراء غوراني
اصطلح العلماء والمؤرخون على تسمية الفترة السحيقة من بدايات التطور البشري بعصور ما قبل التاريخ، حينها لم يعرف الإنسان ملجأ أو ملاذًا سوى الكهوف، وبالرغم من تطور البشرية اليوم إلى عصور الحداثة وما بعدها، يجد أهالي خربة ابزيق- في الأغوار الشمالية بالضفة الغربية- أنفسهم مضطرين إلى العودة إلى ما قبل التاريخ وإعادة استغلال الكهوف، بسبب عمليات الهدم المتكررة التي تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمساكنهم ومنشآتهم.
بجهود حثيثة، وعلى مدار اليومين الماضيين، واصل متطوعون أعمال تأهيل أحد الكهوف في خربة ابزيق، ليكون مقرًا للمجلس القروي الذي هدمه الاحتلال أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة بذرائع مختلفة، ويتطلعون لاحقًا لتأهيل واستغلال كافة الكهوف الموجودة في الخربة، ليستخدمها المواطنون الذين أرهقتهم عمليات الهدم المتلاحقة لمنشآتهم.
وقال الناشط أيمن غريب، وهو أحد القائمين على المبادرة: "إن فكرة تأهيل الكهوف في المنطقة تراودهم منذ فترة، وهي أفضل وسيلة ممكنة في الوقت الراهن للتغلب على واقع مرير فرضه الاحتلال على سكان الخربة وغيرها من مناطق الأغوار".
وأضاف: "ما جعلنا نفكر في استغلال الكهوف هو أنها معالم موجودة في الطبيعة أساسًا وغير مبنية من قبل المواطنين، وبالتالي التغلب على الذريعة التي يستخدمها الاحتلال عادة للهدم وهي وجود المنشآت في مناطق يحظر البناء فيها".
ويستخدم الاحتلال لتنفيذ عمليات الهدم في خربة ابزيق وغيرها من مناطق الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، العديد من الذرائع، أبرزها وجود المنشآت في مناطق يصنفها الاحتلال عدة تصنيفات منها: مناطق إطلاق النار، ومناطق عسكرية، ومحميات طبيعية، ومناطق أثرية، وهي حجج ومسميات درج الاحتلال على استخدامها وفقًا لمصالحه بما يمنع البناء والتواجد الفلسطيني فيها، ويسهل الاستيلاء عليها لصالح الاستيطان.
وأوضح غريب أن ما شجعهم كناشطين على البدء بتنفيذ الفكرة وإدخالها إلى حيز التنفيذ، وجود تجربة ناجحة سابقًا لمواطنين من مسافر يطا في الخليل، عملوا على استغلال الكهوف والسكن فيها، بعد عمليات هدم متكررة نفذها الاحتلال لمساكنهم ومنشآتهم.
وقال: "نعمل حاليًا ضمن الممكن، وبجهود تطوعية من شبان وشابات قدموا من مختلف مناطق الضفة الغربية للمساهمة في العمل، وقمنا بتأسيس جمعية وترخيصها تحت اسم جمعية (ايخيليا) ينصب عملها على التطوع خاصة في الأغوار، بالتعاون مع هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بما يساهم في تعزيز الوعي الشعبي حول أهمية الحفاظ على هذه المناطق وحمايتها من مخططات الاستيلاء والتهجير القسري التي يسعى الاحتلال لتنفيذها، ونحن الآن نتجه إلى تنفيذ أنشطة وأعمال تطوعية غير تقليدية تساهم بشكل حقيقي في تعزيز صمود أهالي تجمعات الأغوار".
بدوره، أكد رئيس مجلس قروي ابزيق عبد المجيد خضيرات أهمية هذه الخطوة، معتبرًا أن تأهيل الكهوف هو آخر الحلول التي توصلوا إليها، لتخفيف المشقة الناجمة عن عمليات الهدم المتكررة لمنشآت المواطنين الذين لم يعد لديهم أي سبل للصمود سوى التفكير بالعودة لأساليب حياة الأجداد للبقاء في أراضيهم، من خلال استغلال الموجود من معالم في الطبيعة.
وأضاف: "المواطنون في كل العالم يتجهون نحو التحديث والتطوير للارتقاء بأساليب عيشهم ورفاهيتهم، بينما نحن مضطرون للعودة إلى العصور الماضية ومحاكاة أساليب العيش القديمة كوسيلة لبقائنا في أراضينا وعدم تركها فريسة للاستيطان، علمًا أن المساكن والمنشآت التي يستهدفها الاحتلال بالهدم في ابزيق وغالبية تجمعات الأغوار أساسًا هي عبارة عن خيام أو مساكن متواضعة من الصفيح وليست أبنية بالمعنى الحرفي".
وتشير إحصائيات مركز أبحاث الأراضي إلى أن سلطات الاحتلال هدمت خلال عامي 2021 و2022 في محافظة طوباس والأغوار الشمالية 338 مسكنًا ومنشأة ينتفع منها 2,203 فردًا، ومن هذه المنشآت 59 مسكنًا ومنشأة في خربة ابزيق وحدها.
ويسعى القائمون على المبادرة إلى تعميم الفكرة والعمل على تأهيل العديد من الكهوف القديمة، التي تزخر بها خربة ابزيق، والتي يزيد عددها عن 20 كهفًا، لكن ذلك يحتاج إلى تمويل وتكافل بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ومن هنا تأتي أهمية إنجاح هذا العمل الأولي، وهو مقر المجلس القروي، ليكون نموذجًا ناجحًا يقدم للمؤسسات ويشجعها على تقديم الدعم لتكرار التجربة وتأهيل باقي الكهوف، وفقًا لخضيرات.
وأكد أن استغلال الكهوف من الممكن أن يساهم في تخفيف مشاكل كبيرة يعاني منها سكان المنطقة، أولها انعدام السكن بسبب الهدم المتكرر، وإيجاد مأوى للمواطنين الذين يجبرهم الاحتلال على الخروج من مساكنهم عدة مرات سنويًا لغرض إجراء التدريبات العسكرية في المنطقة، التي غالبًا ما تجري في ذروة فصل الشتاء والظروف الجوية الصعبة، يبقى المواطنون خلالها في العراء مع أمتعتهم ومواشيهم، ما يشكل مشقة كبيرة عليهم، إضافة لنفوق أعداد من المواشي بسبب ذلك.
يشار إلى أن خربة ابزيق تمتد أراضيها بما فيها السهول الزراعية والمساحات الرعوية التابعة لها على مساحة 45 ألف دونم، وتسكنها الآن 45 عائلة تضم ما يزيد عن 200 نسمة، وفقًا لمعطيات المجلس القروي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها