معن الريماوي
وقفت هند حامد بجانب جثمان ابنها رمزي (17 عاما) المسجى في ثلاجة الموتى، وأخذت تتحسس جسده البارد، وتمسح بيدها على جبينه، فيما تقدم والده فتحي متكئًا على شاب لتوديعه مجددًا، لكنه لم يتمالك نفسه.
أُجلس فتحي على المقعد الخارجي، فيما بقيت هند تتمعن ابنها الشهيد، وراحت تردد "استعجلت يما، والله بدري عليك يا حبيبي.. الله ينور قبرك"، قبل أن يختفي صوتها وراء النحيب.
حُمل النعش وانطلق موكب التشييع نحو سلواد، شرق رام الله، حيث مسقط رأس الشهيد.
قبل نحو أسبوع، أطلق مستوطن النار على المركبة التي كان يستقلها رمزي وصديقه قرب مستوطنة "عوفرا"، أصيب على إثرها رمزي برصاصة في الصدر والبطن، ونقل إلى مجمع فلسطين الطبي في رام الله، حيث أجريت عملية جراحية له استمرت عدة ساعات، أدخل بعدها للعناية المكثفة، وبقي في الغيبوبة يومين.
استفاق رمزي في اليوم الثالث. "عم الفرح في الأرجاء، لم نصدق أنه استفاق، حتى أن الأطباء نزعوا جهاز التنفس الاصطناعي، وصار يتنفس دون أي تدخل، وبدأ يتحدث معنا، وقال لي إنه متعب، ويعاني من آلام في البطن، وطلب مني وأمه أن نسامحه ونرضى عليه"، يقول والده فتحي.
ويضيف: "لا أستطيع وصف شعورنا تلك الفترة، كنا وكأننا نطير من الفرح، وأخذت أخبر الجميع أن رمزي استيقظ، وأنه بدأ بالتحدث، واستمر هذا الأمر يومي السبت والأحد". لم يستطع فتحي إكمال حديثه، ودخل في موجة بكاء طويلة.
ثم تمالك فتحي نفسه، وأكمل: "لكن هذا الأمر لم يطل، حيث دخل بعد ذلك في غيبوبة من جديد، وتفاجأنا صبيحة اليوم الاثنين أنه استشهد نتيجة إصابته بجلطة رؤية حادة، ناتجة عن الإصابة".
ويقول: "كان يحب المشاركة في المناسبات الوطنية أينما كانت، وكلما أعلن عن استشهاد شاب، لا يتردد في الذهاب والمشاركة. حيث شارك مؤخرا في تشييع الشهداء الثمانية في جنين، والشبان الثلاثة الذين اغتالهم الاحتلال عند بوابة جبل جرزيم، وقلقيلية للطفل فارس أبو سمرة، إضافة لتصديه لاعتداءات المستوطنين وجنود الاحتلال".
وقال: "إن رمزي أصيب خلال الفترة الماضية ثلاث مرات بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، لكن هذه الرصاصة التي أصيب بها مؤخرًا كانت القاتلة".
لرمزي 3 أخوة، ومثلهم من الإناث، خرج من المدرسة مبكرًا، وأخذ على عاتقه العمل وتحمل المسؤولية، حيث عمل في ورشات البناء، قبل أن يستقر أخيرًا مع شقيقه آدم في محل الخضار بالبلدة.
صديقه ساجي لازمه أينما حل وذهب، وقال إنه "عندما يسمع بأن هناك شهيد أو مناسبة وطنية يبدأ بالاتصال به، حتى يذهبا سويًا، كان يحب الوطن، ويبكي على الشهداء بحرقة". وأكد أنه ضحّى بحياته من أجل وطنه وحبه له.
وتابع: "رمزي أحبّه الجميع. وكان يحب مساعدة الناس، وكل شخص يطلب منه أمرًا يقول له حاضر".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها