بسام أبو الرب
لم تفلح محاولات الشاب أحمد طوباسي، بفتح باب البناية التابعة لمسرح الحرية في مخيم جنين، في صبيحة انسحاب قوات الاحتلال من شوارع المخيم، التي كانت آثار الدمار تحيط بالمكان، ما اضطره لخلع الباب أخيرا.
الأبواب المغلقة كلها تأثرت بفعل عمليات الاقتحام والتفجير في المنطقة، ما أدى لضعضعة أحوالها، فمنها ما أصبح هشا، ومنها أصبح صلبا لا يفتح أبدا.
لم يعد للمفتاح فائدة، ولم يعد للطوباسي بابا يغلقه.
قال الطوبلسي: "عدد من القنابل أسقطتها طائرة اسرائيلية مسيرة فوق ساحة المسرح، دمرت وأحرقت المركبات بشكل كامل. عناية الله وحدها حالت دون مقتل عائلات من تلك الصواريخ؛ التي كانت تعتقد أن التواجد في المنطقة يعد ملاذا آمنا لها من رصاص وصواريخ الاحتلال".
الطوباسي (38 عاما) ابن مخيم جنين مخرج وممثل في مسرح الحرية، يحمل الجنسية النرويجية، وهو بطل مسرحية "وهنا أنا" التي تعرض قصة حياته كشاب فلسطيني داخل المخيم برؤية فنية ومعاناته من الاحتلال، يتناول في عرضه المسرحي اجتياح قوات الاحتلال لمخيم جنين عام 2002 عندما كان يبلغ من العمر 17 عاما، إضافة إلى تجربته مع الاعتقال لأربع سنوات وما تعرض له من أساليب تعذيب وتحقيق، ويروي قصصا انسانية عن الخوف والحب بأسلوب العرض المنفرد "المونودراما".
ويعمل الطوباسي أيضا كمدير لمسرح الحرية، يتحدث عن استهداف محيط المسرح الذي استولت عليه قوات الاحتلال، في اليوم الأول للاقتحام، فيقول: " كل المنازل تم اقتحامها من قبل الاحتلال وتهديد بعض المنازل بتفجيرها. تم اخلاء عدد من العائلات من قبل منظمة الصليب الأحمر التي لجأت إلى المسرح، كونه مؤسسة ثقافية وعالمية معروفة، واقتحموا المسرح واعتقلوا كل شاب عمره فوق الـ 15 عاما.
ويضيف: "بعد ذلك انتشر القناصة داخل البنايات المجاورة بعد أن أحدثت فجوات داخل جدرانها، وتم تفجير عدد من القنابل في المنطقة، ولحظة الانسحاب أطلقوا قنابل دخانية بكميات كبيرة".
في اللحظات التي كان الطوباسي يتحدث بها، كان عدد من المواطنين يحاولون تجاوز العراقيل في الطرقات والأزقة، وأمام مداخل المنازل، الناتجة عن الدمار الذي خلفته قنابل الاحتلال وجرافاته.
ويؤكد الطوباسي انه ما جرى في الأيام السابقة اشبه باجتياح عام 2002، لكن في هذه المرة كان ليومين كل دقيقة فيهما تشكل سنة بحالها، تعود بي الى الاوجاع والمآسي التي عايشتها سابقا، كل صوت وكل حركة تذكرني بما مضى رغم أنه باق في الذاكرة.
ويتابع الطوباسي: "عقب الاجتياح عام 2002 والافراج عني من سجون الاحتلال، سافرت إلى النرويج عام 2008، ولم أكن أفكر حقيقة بالحصول على الجنسية إلا لأمر واحد، وهو ممارسة حقي في حرية التنقل، عشت هناك فترة، وعقب ذلك عدت الى مخيم جنين وقدمت عملا مسرحيا، وجدت أن المسؤولية على عاتقي أكبر من أي شخص آخر، فمكاني هنا ورسائل الطفولة وأحلامهم التي عشتها هنا في هذا المخيم، الذين تربوا في ظروف مختلفة، لذلك قررت البقاء في المخيم الذي اعتبره مختلفا عن العالم كله، فأنت تعيش ولا تعرف مصيرك بعد لحظات، هكذا هو".
ويشير الى أن الواقع لم يختلف كثيرا منذ عشرين عاما، من سياسة القتل والتشريد وهدم المنازل والاقتحامات، والاعتقال الذي يعتبر تجربة صعبة.
رسائل للعالم من داخل المخيم المحاصر
وتتحضر طواقم مسرح الحرية لأداء مسرحية بعنوان"H1" ، والتي تتناول ما يحدث في محافظة الخليل وتصنيف تلك المناطق، والبناء الاستيطاني المتزايد وحياة الفلسطيني في تلك المناطق، إضافة إلى عمل مسرحي اخر بعنوان "مترو غزة"، الذي يتحدث عن حياة أهالي قطاع غزة، وأحلامهم البسيطة حتى في الحركة والسفر.
مصطفى شتا المدير العام لمسرح الحرية يقول "من خلال استهداف مسرح الحرية، الاحتلال يحاول الاعتداء على كل ما له علاقة بالحياة بحد ذاتها، ويريد اخماد صوت الحرية الذي يصل للعالم وينقل رسالة الفلسطيني بصورة فنية ثقافية، وهو جزء من العقاب الجماعي".
ويضيف: "أعمالنا المسرحية تعبر عن الواقع الفلسطيني وتعتمد على الرواية المحكية من الناس، ونحن نعيد تكييف الحوارات ليكون عملا مسرحيا ابداعيا نستطيع من خلاله توصيل الصوت خارج فلسطين بواسطة لغة المسرح".
يؤكد شتا: "وجود مسرح الحرية في مخيم جنين رغم ما يتعرض له من اعتداءات؛ أعطاه ميزة القوة الكامنة والصوت العالي؛ لأنه صوت ثوري نضالي، ينبع من مساحة هويتها السياسية وحق العودة".
وشدد شتا على أن مسرح الحرية الذي تأسس على فكرة الاعتداء، كان في البداية يحمل اسم "مسرح الحجر" عام 1989، وجرى هدمه من قبل قوات الاحتلال عام 2002، الذي أسسته الناشطة "آرنا" ووالدة الاسير زكريا الزبيدي التي استشهدت لاحقا هي ونجلها طه.
ويوضح أن الاعتداءات بحق مسرح الحرية ما زالت مستمرة من هدم واعتقال لأعضائه ومنع بعضهم من السفر، مؤكدا أن تحويل المسرح الذي يحمل اسم الحرية ليكون مركزا للتحقيق والاحتجاز هو بحد ذاته اعتداء صارخ.
ويعتبر شتا مسرح الحرية البيت الاول الذي يعبر عن الهوية الوجودية، ويمارس دوره في المقاومة في إطار تعزيز الرواية الفلسطينية، ومخاطبة المجتمعات في العالم، واعادة الاعتبار للهوية الفلسطينية لتكون حاضرة، في مواجهة رواية الاحتلال التي يسوقها عبر قنواته الاعلامية.
يذكر أن مسرح الحرية افتُتح عام 2006، ومن الأعمال التي قدمها المسرح مسرحية "الحصار" عام 2017 التي تناولت حصار الاحتلال للمقاومين داخل كنيسة المهد عام 2002، وحظيت بانتشار عالمي واسع، ومسرحية "وهنا أنا" التي تروي حياة شاب من المخيم، و"عائد الى فلسطين" التي تحكي قصة فلسطيني ولد في أميركا ويقرر العودة إلى فلسطين، وغيرها من المسرحيات التي كان لها صدى على المستوى العالمي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها