بسام أبو الرب
يسابق المزارعون في بلدة اللبن الشرقية جنوب نابلس الزمن لحصاد ودرس محاصيل القمح، خاصة القريبة من الطريق الرئيسي الواصل بين رام الله ونابلس، قبل أن تطالها نيران المستوطنين، بعد ليلة دامية شهدتها البلدة وإحراق عدد من المركبات والأراضي المزروعة.
نيران المستوطنين ذاتها، طالت منازل ومنشآت ومركبات في بلدة حوارة، في السادس والعشرين من آذار الماضي، وهو الأمر الذي رفضه المجتمع الدولي برمته، ووصفه بالإرهاب، خاصة عقب دعوات وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش إلى "محو حوارة".
مشاهد النيران والحرائق التي وثقتها عدسات الكاميرات، لم يستطع المجتمع الدولي إزاءها اتخاذ موقف جدي وفعلي لإيقاف جرائم المستوطنين كما حدث في حرب فيتنام عام 1972، وتغيير نظرة العالم بعد التقاط المصور الصحفي نيك أوت صورة لفتاة تدعى 'كم فوس' كانت تجري عارية من هول المصيبة وسط الطريق هاربة من النيران، تحاول اللجوء لمأوى تكون فيه بعيدة عن الموت والدمار، بعد أن أحرقت النيران جسدها بقنابل "النابالم".
ومن مشاهد جرائم المستوطنين التي لا يمكن محوها من ذاكرة الشعب الفلسطيني خاصة والعالم عامة، عندما أقدم مستوطن يدعى مايكل دينس روهان على إحراق المصلى القبلي في المسجد الأقصى عام 1969، بالإضافة إلى المحرقة التي ارتكبها المستوطنون بحق عائلة دوابشة في بلدة دوما (بمحافظة نابلس) عام 2015 عقب استهداف منزلها بمواد حارقة، أدت لإحراقه بشكل كامل واستشهاد ثلاثة من أفراد العائلة ونجاة الطفل أحمد دوابشة.
ومنذ جريمة إحراق المسجد الأقصى، لم يمارس المجتمع الدولي دوره بشكل فعلي على أرض الواقع في كبح جماح المستوطنين ورغبتهم بالقتل الدائم، إلا عبر قرارات دولية لم تنفذ بعد، واكتفى ببيانات الاستنكار وتعبيره عن "القلق الشديد" من هذه الاعتداءات، والدعوات لضبط النفس.
أستاذ القانون الدولي في جامعة بيرزيت ياسر عموري، أكد أن تصرفات المستوطنين بحماية جيش الاحتلال، تعتبر انتهاكات جسيمة بموجب القانون الدولي والإنساني، وتحديدا اتفاقية جنيف الرابعة، وترقى هذه الانتهاكات إلى جرائم الحرب.
وقال عموري: "سواء كانت هذه الاعتداءات والانتهاكات من قبل عناصر الجيش أو من قبل مجموعات المستوطنين المنظمة التي تكون محمية من جنود الاحتلال، فهي تشكل انتهاكات وهي ثابتة بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني وكافة الاتفاقيات ذات العلاقة بهذا الموضوع، وبالتالي تحملهم المسؤولية الدولية".
وأضاف: "هناك فرق بين وجود الانتهاك بحد ذاته وتحميل المسؤولية أو تحريك دعوى المسؤولية الدولية أمام المؤسسات الدولية، بالتالي نحن نعلم تماما أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لا تقف عند الانتهاكات الإسرائيلية بالمستوى المطلوب منها، سيما أن هناك تأثيرا للعلاقات المصالحية التي تحكم العلاقات الدولية، أكثر مما تحكمها علاقات الأخلاق الدولية أو القانون الدولي".
وتابع: "ما حدث سابقا في قضايا مشابهة في دول أخرى كان من عوامل القوة لدى هذه الأطراف على إجبارها الجهات الدولية على التطبيق وليس الشجب والاستنكار، ما يعني أن المجتمع الدولي يكيل بمكيالين، فهو يتعامل مع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، رغم الحرق والقتل والتدمير والاعتداء على العزل والمدنيين الفلسطينيين، ببيانات الشجب والاستنكار والإعراب عن القلق".
وأكد: "يجب عدم الاكتفاء والمطالبة بالشجب والاستنكار والإدانة من قبل المجتمع الدولي، وإنما يجب تحريك الدعاوى أمام المؤسسات القضائية الدولية، ودعوة الدول التي تنادي بمقاطعة الشراكة مع الدول التي تنتهك حقوق الإنسان، للوقوف أمام مسؤولياتها في هذا الجانب".
القرارات الدولية والشجب والاستنكار لم يأخذها المواطن عبد الحليم نوباني في الحسبان، فهو يراقب من أمام منزله في اللبن الشرقية تحركات المستوطنين على طريق رام الله- نابلس، عقب سماعه دعوات لتنظيم مسيرات لهم في المنطقة، ويقول: "حصدت محصول القمح وجمعته بانتظار دراسته، إلا أن المستوطنين أحرقوا جزءا منه".
في العامين 2010 و2011 بات حديث المزارعين في قرى جنوب نابلس هو البحث عن كيفية حماية محاصيلهم الزراعية، خاصة القمح، من حرائق المستوطنين، وهو ما أجبر العديد منهم على حصادها بسرعة خشية إحراقها، ذلك أن المستوطنين بدأوا بتطبيق سياسة قديمة جديدة ألا وهي "سياسة الأرض المحروقة" التي أصبحت ظاهرة تؤرق المواطنين الفلسطينيين وتقض مضاجعهم، حسب ما وثقه كتاب "المستوطنون الصهاينة في الضفة الغربية .. الاعتداء على الأرض والإنسان"، للكاتب غسان دوعر.
وصل المواطن علي سمارة (53 عاما)، إلى محطة الوقود التي أحرق المستوطنون المركبات المتوقفة داخلها، عقب عودته من المستشفى إثر اصابته بجروح بالرأس نتيجة هجوم كبير شنه مستوطنون على منزله الواقع على أطراف قرية اللبن الشرقية.
يقول سمارة: "شاهدت النيران بأم عيني، لكن لم أتخيل أن يكون الدمار الذي خلفته بهذا الحجم".
نابلس التي تعرف باسم "جبل النار"، لإشعالها النيران في جبالها لتكون إحدى الطرق والأساليب التي حالت دون دخول الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت في عام 1799م، إليها واحتلالها، أصبحت النيران اليوم تشكل مآساة تعاني منها المحافظة، بعدما باتت إحدى الوسائل التي يستخدمها المستوطنون لتنفيذ جرائهم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها