بلال غيث كسواني

هجوم في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع، شنه المستوطنون الإرهابيون المدججون بالأسلحة، والمعبؤون بالتطرف والعنصرية، على بلدة ترمسعيا الوادعة شمال مدينة رام الله وأهلها العزّل، تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي وفّرت لهم الغطاء وتبادلت معهم الأدوار، ليقتلوا ويصيبوا ويحرقوا ويدمروا ويرهبوا ويعيثوا في الأرض فسادا.

على مدار ثلاث ساعات، تحولت البلدة إلى كتلة من اللهب والدخان، بعد أن أحرق المستوطنون عشرات المنازل بينما كان أهلها -خاصة النساء والأطفال وكبار السن- بداخلها، وعشرات المركبات والممتلكات، قبل أن يطلقوا الرصاص صوب صدور المواطنين العارية، التي حاولت التصدي لهم، متسلحة بإيمانها بحقها الأزلي في هذه الأرض، ما أسفر عن استشهاد الشاب عمر هشام عبد الله جبارة (أبو القطين) 25 عاما، وإصابة العشرات.

جريمة المستوطنين في ترمسعيا، صورة طبق الأصل لجريمتهم في بلدة حوارة جنوب نابلس، في 26 شباط الماضي، والتي أسفرت عن استشهاد الشاب سامح أقطش (37 عاما)، وإصابة عشرات المواطنين، وإحراق عشرات المنازل ومئات السيارات.

ورغم بيانات الإدانة والاستنكار التي أعقبت "حرق حوارة"، والمطالبات بمحاسبة الجناة الذين ارتكبوا هذه الجريمة، إلا أنهم أفلتوا من عقابهم كالعادة، ليمتد إرهابهم وإجرامهم إلى بلدات وقرى أخرى.

فقد تفاجأ المواطنون الذين يقطنون "حارة سلون" في المنطقة الشمالية الشرقية من البلدة بهجوم أكثر من 300 مستوطن من مستوطنة شيلو المقامة على أراضي البلدة والبلدات والقرى المجاورة، مدججين بالأسلحة والمواد الحارقة.

الشاب عوض أبو سمرة، كان من أوائل المتصدين للمستوطنين الذين هاجموا "حارة سلون" التي يقطنها قرابة ألفي نسمة من أهالي البلدة والقريبة من مستوطنة "شيلو"، قال: "إن المستوطنين هاجموا البلدة على شكل مجموعات، يحملون مختلف الأسلحة وقنابل الفسفور الحارقة، بعضهم ملثمون، وشرعوا بإلقاء قنابل من الفسفور الحارق على مركبات المواطنين، ما أدى إلى اشتعالها خلال ثوان".

ويوضح أبو سمرة: "فور هجوم المستوطنين تصدى لهم شبان كانوا بالمكان، فأطلق المستوطنون الرصاص صوبهم وأصابوا 10 منهم، قبل أن يواصلوا هجومهم على المنازل الجميلة التي يزعجهم وجودها في سهل البلدة".

المواطنة ألفت عبد الحليم، التي تحمل أيضًا الجنسية الأميركية، تعرض منزلها إلى هجموم المستوطنين بينما كان أطفالها يتواجدون فيه.

تقول عبد الحليم: "كنت في زيارة للطبيب في مدينة رام الله، عندما تلقيت اتصالا هاتفيا من أطفالي، أخبروني خلاله أن المستوطنين هاجموا المنزل بالقنابل الحارقة".

وتضيف أن أطفالها هرعوا إلى الطابق السفلي في المنزل للاحتماء من هجوم المستوطنين، قبل أن يحضر الأهالي وينقذوهم.

وتتابع: "هذه أول زيارة لأطفالي إلى فلسطين، فقد حضرنا من الولايات المتحدة لقضاء عطلة الصيف في منزلنا بالبلدة، لكن هجوم المستوطنين اليوم غيّر كل حياتنا وحرمنا من البقاء في منزلنا الذي تحوّل إلى ركام".

المواطن أسامة عبد العزيز، الذي يحمل أيضا الجنسية الأميركية، ووصل مؤخرا من الولايات المتحدة الأميركية، يشير إلى أنه كان مع أطفاله في منزله ظهرا، ولدى سماعه أصوات إطلاق نار وحجارة تستهدف منزله، نقل أطفاله إلى غرفة آمنة في المنزل لمدة نصف ساعة، تواصل خلالها هجوم المستوطنين على المنزل.

ويضيف عبد العزيز: "بعد نصف ساعة قررت الخروج مع أطفالي الذين عاشوا أجواء من الخوف والرعب، من نافذة خلفية للمنزل لحماية أطفالي من الموت، وبعد ساعة عدت لأتفقد المنزل، لأجد أن جزءا منه قد احترق، كما أحرقوا مركبتي أمام المنزل بالكامل".

المسن نعمان عوض شلبي (74 عاما) الذي أحرق المستوطنون ثلاث مركبات تعود له ولعائلته، قال وهو يعمل على تنظيف آثار الخراب والدمار من ساحة منزله: "ربنا لطف بعائلتي وأحفادي، حيث كان في المنزل 13 طفلا وامرأة، ولكن الأهالي ساعدوهم ونقلوهم إلى مكان آمن داخل البلدة، وإلا لكانوا توفوا اختناقا داخل المنزل".

ويوضح المسن شلبي أن مجموعات كبيرة من المستوطنين اقتحمت البلدة، وتوجهت مجموعة منهم لمنزلي، وشرعت بإطلاق النار صوب المنزل ورشقه بالحجارة، فيما قام آخرون بإحراق المركبات بشكل سريع جدا حيث وضعوا مواد أشعلت المركبات في لحظات.

ويضيف: "دخان المركبات التي اشتعلت دخل إلى المنزل بعد تحطيم جميع النوافذ والشرفات في المنزل، وأن لطف الله حال دون تضرر أفراد عائلتي"، مشيرا إلى أن دمارا كبيرا لحق بمنزله جراء الدخان الذي حوله إلى قطعة من السواد.

ويقول شلبي أنه في حياته لم يشهد هجوما مثل هذا الهجوم الإرهابي وما رافقه من قتل وتدمير وحرق، مستدركا: "سنعيد تنظيف المنزل ونعود إليه ولن يخرجنا هؤلاء الحاقدون منه".

كما يروي المواطن ربحي عبد القادر تفاصيل هجوم المستوطنين، ويقول إنهم فور اقتحامهم أقدموا على إحراق أربعة منازل ومحاصيل زراعية وكل مركبة مرّوا عنها، أمام أنظار جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين تواجدوا على أطراف البلدة، الذين تركوا المستوطنين يمارسون اعتداءاتهم بحرية.

ويضيف عبد القادر، بينما كان يشير إلى آثار الرصاص والاعتداءات على المنازل والمركبات، أن ما جرى "هجوم بربري"، مشيرا إلى أن ما جرى في بلدة حوارة جنوب نابلس ليلا قبل عدة أشهر جرى تنفيذه اليوم في بلدة ترمسعيا وفجر اليوم في قرية اللبن الشرقية المجاورة، حيث تم إحراق المنازل والمركبات بنفس الطريقة.

وبحسب المواطنين، فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال هجوم المستوطنين، طوقا حول البلدة لمنع الوصول إليها من أبناء القرى المجاورة لإسناد أبنائها في التصدي للهجوم، وبعد إحراق المنازل والمركبات، اقتحمت قوات الاحتلال البلدة وأطلقت قنابل الغاز السام المسيل للدموع، والصوت، تجاه المواطنين الذين كانوا يتفقدون ممتلكاتهم التي استهدفها المستوطنون.

ويؤكد رئيس بلدية ترمسعيا لافي أديب أن هجوم المستوطنين كان مدبرا ومخططا له، بحماية وتنسيق كامل مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال أغلقت مداخل البلدة، ومنعت الدخول إليها أو الخروج منها، وأعاقت وصول مركبات الإسعاف لإنقاذ المصابين، ومركبات الدفاع المدني لإخماد النيران، حتى انتهى المستوطنون من هجومهم وانسحبوا.

ويضيف أن الأضرار الأولية التي أحصتها البلدية بلغت حرق وتكسير قرابة 30 منزلا و30 مركبة، موضحا أن حصر الأضرار لا يزال جاريا.

ونجح عدد من أهالي البلدات والقرى المجاورة من الوصول إلى ترمسعيا لإسناد أهلها في التصدي لهجوم المستوطنين، رغم إغلاق قوات الاحتلال لمداخل البلدة.

المواطن أمين أبو عليا من قرية المغير المجاورة، يقول إنه فور سماعه خبر الهجوم على ترمسعيا، توجه الأهالي من مختلف القرى المجاورة لمساندة أهالي ترمسعيا والتصدي لهجوم المستوطنين الذي يستهدف مختلف القرى الواقعة شمال شرق رام الله.

وأطلقت دعوات من سماعات المساجد في البلدات والقرى المجاورة، للتوجه إلى بلدة ترمسعيا والتصدي لاعتداءات المستوطنين.

ويضيف أبو عليا: "هبت كل القرى المجاورة من أجل التصدي للمستوطنين، ورغم حواجز الاحتلال التي أحاطت بالبلدة، نجحنا في الوصول عبر الحقول سيرا على الأقدام"، مشيرًا إلى أن قوات الاحتلال وفّرت الحماية للمستوطنين خلال وبعد تنفيذهم للهجوم، قبل أن تعتدي على المئات من المواطنين الذين هبّوا للدفاع عن البلدة.

وبحسب مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية غسان دغلس، فقد شن المستوطنون أكثر من 310 اعتداءات منذ ليلة أمس الثلاثاء وحتى الآن، البلدات والقرى المحيطة بمحافظتي نابلس ورام الله، حيث أسفرت الاعتداءت عن استشهاد الشاب عمر هشام عبد الله جبارة (أبو القطين) من بلدة ترمسعيا وإصابة العشرات من المواطنين بالرصاص والاختناق عدد منهم توصف إصابتهم بالخطيرة، بالإضافة إلى حرق منازل ومركبات وأراض زراعية وتخريب ممتلكات.

ويشير دغلس إلى أن هذه الاعتداءات في تصاعد، إذ تشهد مناطق شمال الضفة الغربية انتشارا واسعا للمستوطنين على الطرقات والبلدات والقرى المحاطة بالمستوطنات.