بسام أبو الرب
أخليت مستوطنة "حومش" التي أقيمت أواخر سبعينيات القرن الماضي في عام 2005، ضمن خطة فك الارتباط، بتعليمات من رئيس الوزراء الأسبق أرائيل شارون، فوق جبل القبيبات الذي يرتفع 650 مترا عن مستوى سطح البحر، والذي تتبع غالبية أراضيه لبلدة برقة، على الطريق التي تربط محافظات جنين، ونابلس، وطولكرم.
ورغم انتزاع أهالي بلدة برقة شمال غرب نابلس في عام 2013 قرارا من المحكمة الإسرائيلية العليا يقضي بعودة نحو 1200 دونم من أراضيهم الزراعية التي استولى عليها الاحتلال عام 1978، لإقامة مستوطنة "حومش" آنذاك، إلا أنهم حُرموا من الوصول إليها، بعد القرار الأخير من جيش الاحتلال بالسماح للمستوطنين بالعودة إليها.
منتصف ديسمبر/ كانون الأول عام 2021، عادت مرحلة الصراع بشكل أعنف، وتصاعدت اعتداءات المستوطنين، عقب مقتل أحدهم عند مدخل مستوطنة "حومش".
وفي آذار/مارس الماضي، صادقت حكومة الاحتلال على مشروع قانون "إلغاء قانون الانفصال" في الضفة الغربية وقطاع غزة، والسماح بعودة المستوطنين إلى 4 مستوطنات تم تفكيكها، وهي: (حوميش، وغانيم، وكاديم، وسانور)، وإلغاء العقاب الجنائي المفروض على المستوطنين الذين يدخلون أو يقيمون في هذه المستوطنات الأربع المقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة.
أصدر رئيس القيادة المركزية في جيش الاحتلال يهودا فوكس مرسومًا بإلغاء حظر إقامة المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية التي تم إخلاؤها من شمال الضفة الغربية في عام 2005؛ لكن في الوقت نفسه، أصدر أمرا آخر يفرض حظرا محددا على التواجد في "حومش".
كان الغرض من هذه الخطوة هو السماح لدولة الاحتلال والمستوطنين بفترة زمنية تتم فيها تسوية الوضع القانوني للمدرسة في المستوطنة الجديدة، إلا أن المستوطنين استبقوا ذلك بنقل المدرسة الدينية، وهو ما اعتبره فوكس "خطوة غير قانونية".
"حومش".. صفعة بوجه المجتمع الدولي
في الثالث والعشرين من شباط عام 2022، زار وفد دبلوماسي أجنبي، يضم عددا من قناصل دول أوروبية وأجنبية وسفرائها المنطقة ذاتها، مؤكدين أن وجود مستوطنة "حومش" غير قانوني، وأن هناك قرارا بعودة أراضيها إلى الفلسطينيين، وأن الإجراءات الإسرائيلية في المنطقة أمر مخالف للقانون الدولي.
ليعاود التأكيد على ذلك من خلال ممثل الاتحاد الأوروبي لدى فلسطين سفين كون فون بورغسدورف، بأن شرعنة عودة المستوطنين إلى المستوطنات المخلاة مخالفة لقرارات المحكمة "العليا" الإسرائيلية بحد ذاتها، وكذلك للقانون الدولي، وأن الاستيطان بكل أشكاله مخالف أيضا، خلال زيارة لوفد دبلوماسي أوروبي لبلدة برقة الشهر الماضي.
ودعا بورغسدورف "إسرائيل إلى التوقف عن مثل هذه الإجراءات والقرارات وعن العنف، ومنع اعتداءات المستوطنين المرفوضة"، مطالبا إسرائيل قوة الاحتلال بحماية الفلسطينيين من هذه الإجراءات.
بدورها، اعتبرت الولايات المتحدة الأميركية، "تشجيع الاستيطان في الضفة الغربية عائقا أمام قضية حل الدولتين، وأنّ إعادة بناء المدرسة الدينية الاستيطانية في "حومش" تعد انتهاكا للالتزام الذي قطعته "إسرائيل" للولايات المتحدة"، وكذلك للموقف الفرنسي الذي دعا إسرائيل إلى فحص هذا القرار مجددا.
أحلام المستوطنين بإنشاء إسفين "حومش الكبرى"
يشير مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة غسان دغلس إلى أن مخططات نشرتها مواقع إسرائيلية، تؤكد أطماع المستوطنين في حلم إنشاء ما يسمى "حومش" الكبرى، بالاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضي برقة، المطلة على القرى الأخرى، وزيادة المعاناة لأكثر من 34 ألف مواطن في البلدات المحيطة، وذلك تحت غطاء إنشاء مدرسة دينية فيها، لكن الأمر يُنذر بالمزيد من الوحدات الاستيطانية.
ويقول: "إن أكثر من 35 هجوما للمستوطنين على بلدة برقة وحدها منذ مطلع العام الجاري، نتج عنها إصابة 13 مواطنا بكسور وجروح، وأضرار مادية في سبعة منازل تتعرض دائما لاعتداءات المستوطنين ونبشهم للقبور وحرقهم للممتلكات".
ويتابع دغلس: "أن هذه الحالة تؤثر بشكل مباشر في الحركة وتشلها، خاصة أن البلدة تقع على الطريق الواصلة بين جنين ونابلس؛ الأمر الذي يعني تقطيع أوصال المناطق الجغرافية وتحويلها إلى "كنتونات"، ضمن مخطط استيطاني كبير، يهدف إلى توسعة "حومش" المقامة على أراضي بلدات برقة، وسيلة الظهر، والفندقومية، وربطها مع مستوطنة "شافي شمرون"، والاستيلاء على المزيد من الأراضي".
اعتداءات المستوطنين وعربدتهم لم تتوقف بحق أهالي برقة، ففي يوم الأحد الماضي، لم يستوعب المواطن فادي حجة من بلدة برقة ما يحدث حوله من مشهد عندما حاول أحد المستوطنين خلع البوابة الرئيسة لمنزله الواقع على طريق جنين نابلس، في محاولة لاقتحامه والاعتداء على سكانه.
كانت لحظات رعب عاشها المواطن حجة (43 عاما) وعائلته، رغم ما اتخذه من احتياطات، من بناء الأسوار، ووضع سياج حول المنزل، في السنوات السابقة؛ بهدف الحماية وتأمين المنزل من المواشي، ولم يتوقع أنها ستقي العائلة من اعتداءات المستوطنين، الذين عادوا إلى مستوطنة "حومش" المخلاة منذ عام 2005.
ويتابع: "أكثر من 120 مستوطنا بعضهم مدجج بالسلاح هاجموا أطراف البلدة، واستهدفوا المنازل والمركبات بالحجارة؛ الأمر الذي ألحق أضرارا فيها، فيما كانت قوات الاحتلال تتعامل معهم بأسلوب ناعم ولم تردعهم بالقوة".
وأن حالة التوتر والعنف التي تشهدها المنطقة، خلقت حالة من الذعر للأطفال، لمجرد سماع أصوات الرصاص واستهداف المستوطنين للمنزل، الذي تعرض للاعتداء أكثر من مرة".
ويؤكد: "أن منزل العائلة أُنشئ في عام 1959، أي قبل بناء مستوطنة "حومش"، ونحن رغم هذه الاعتداءات سنبقى في المنطقة، فهذه أرضنا وهم الدخلاء عليها".
ويشير إلى أنه يستعين بأهالي البلدة للتصدي لاعتداءات المستوطنين عبر مجموعة على تطبيق "واتساب"، الذي يعتبر محطة رصد للأهالي.
492 اعتداءً خلال أيار الماضي
حسب إحصائيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين نفذوا خلال شهر أيار الماضي 492 اعتداءً، تراوحت بين اعتداء مباشر على المواطنين وتخريب أراضٍ وتجريفها، واقتلاع أشجار، ومصادرة ممتلكات، وإغلاقات، وحواجز، وإصابات جسدية.
وقالت الهيئة في تقريرها الشهري، عن انتهاكات الاحتلال وإجراءات التوسع الاستعماري خلال شهر أيار، إن هذه الاعتداءات تركزت في محافظة نابلس ب132 اعتداءً، تليها محافظة جنين بـ69 اعتداءً ثم محافظة طولكرم بـ43 اعتداءً.
وأوضحت أن عدد المستوطنين في مستوطنات الأراضي الفلسطينية في عام 2022 بلغ 726,427 ألف مستوطن، موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية، مشيرة إلى أن المستوطنين خلال عام 2022 أقاموا 12 بؤرة استيطانية في محافظات الضفة الغربية، بينما تمت شرعنة بؤرتين استيطانيتين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها