ما هو الرديء حقًا، هل هو المشهد الذي لا يبعث على البهجة، أم تراه الطقس المغبر الذي يكاد يطبق على الأنفاس، أم هو رغيف الخبز المريض بالعفن، أم البضاعة الفاسدة المغلفة بورق الخديعة اللامع...؟؟ كل هذا هو الرديء طبعًا، لكن هناك الأردأ، وهذا هو الوضيع الذي يبعث على التقيؤ، كلما توغل في وضاعته، كما هو الكلام الذي تغيب عنه نشوة الإيقاع، وبشر يلهجون بمديح الكذب، ويمجدون جائحة السلعة..!! 
الرديء والأكثر رداءة، هو الوهم الذي يتسربل في ثياب الضغينة، فلا يعود التفاهم ممكنا، ولا يعود هناك الحقل الذي بين الخطأ والصواب، الذي قال ابن الرومي بأنه سيلقى فيه مخالفه، فالثنائيات في حوارات الخطأ والصواب، أصوليات إقصائية..!!
ويبقى السؤال هل الرداءة مرض أم طبيعة..؟؟ نعرف طبعًا، ونؤمن أن لله في خلقه شؤون ، ولأن الضد يُظهِر حسنَه الضد، وعلى هذا فإن الرداءة ليست سوى حال تترنح بين مرض وطبيعة، ومرض يصعب تطبيبه، وحين هي طبيعة فإن الطبع دائمًا ما يغلب التطبع ..!! 
وماذا عن وسائط ما يسمى بالتواصل الاجتماعي، أية بيئة تتخلق فيها جراء استخداماتها الانفعالية، الجهولة، والمتسرعة، حتى باتت الرداءة نجومها اللامعة، التي تحصد "لايكات" المحبة والتقدير..!!
ما هو خطير جدًا في كل هذا السياق أن الرداءة باتت منتشرة في فضاءات متنوعة حتى جعلت "نظام التفاهة" ممكنًا في هذا العصر، وهذا ما كشف عنه، وسجله في مؤلف بالغ الأهمية، الفيلسوف الكندي "ألان دونو" وفي هذا النظام تحول المثقف النقدي إلى خبير (...!!) كما يوضح "دونو" في مؤلفه الذي حمل عنوان "نظام التفاهة"، والفارق بين المثقف النقدي، والخبير، هو الفارق بين القيم الاخلاقية، والغاية، وفي اقتصاد السوق الخاضع لسيادة منطق الرأسمالية المتوحش فإن الغلبة لن تكون لغير الغاية التي تبرر في المحصلة الوسيلة، وعلى جثة القيم الأخلاقية تمامًا...!!
هل نعي خطورة الرداءة جيدًا، لنضبط على الأقل إيقاعات تعليقاتنا على وسائط التواصل الاجتماعي فلا نجعلها صاخبة بسقط الكلام...؟؟