تقرير: معن الريماوي
20 عاما بأيامها ولياليها القاسية، مرت على ليندا ثابت، مناسبات كثيرة حزينة وأخرى سعيدة، تفاصيل كثيرة اضطرت لأن تجاريها وحيدة، بعد أن وجدت نفسها مسؤولة عن بيت وثلاثة أطفال، لم يكن حينها ابنها الأكبر ثابت يتجاوز العامين من عمره.
فتح الأطفال (ثابت، ديما، دانا) أعينهم على قضبان الحديد والأغلال التي تلف معصمي والدهم مسلمة ثابت الذي غيبه الاحتلال الإسرائيلي، بعد اقتحام منزله في قرية رامين بطولكرم عام 2003.
عام 2000 تزوج مسلمة وليندا، وأنجبا طفليهما ثابت وديما، فيما كانت دانا جنينا في بطن أمها لدى اعتقاله، ولم تحظ حتى الآن بقبلة أو احتضان من والدها، كما شقيقيها.
لم يكن الأمر سهلا على ليندا، فلا أحد يستطيع أن يشاركها عبئ المسؤولية وتربية الأولاد، وحمايتهم من الحياة، واشعارهم بعدم النقص، في ظل غياب الأب والمعيل والسند للعائلة، خاصة أن عائلتها تعيش في الأردن، فكانت لأطفالها الأم والصديقة طيلة تلك الأعوام.
مسلمة (55 عاما) المحكوم 25 عاما، يقبع حاليا في سجن النقب، حصل خلال سنوات اعتقاله، على شهادة الماجستير بالدراسات الإسرائيلية، ويستعد لاستكمال درجة الدكتوراه، ويعتبر من قادة الحركة الأسيرة، ومن الأسرى الفاعلين في التعليم الجامعي للأسرى.
"هو الآن مستلم ملف التعليم في سجن النقب، يقدم محاضرات، وامتحانات، ويراقب على الأسرى المتقدمين للثانوية العامة، والماجستير، والبكالوريوس، وذلك عن طريق مكتبة الأسرى التابعة لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، توزع على الأسرى كل حسب تخصصه". تقول ليندا.
في أحد الليالي، بينما اجتمع أقارب الأسير مسلمة في المنزل، يتبادلون أطراف الحديث، سمعت ليندا صوت بكاء قادم من غرفة ابنتها ديما، حيث كانت تبكي بحرقة على غياب أبيها عن اجتماعات العائلة.
تقول ليندا التي تعمل مرشدة في أحد مدارس رامين" :غياب الزوج عن البيت صعب جدا، ولا يشعر به إلا من عاشه وجربه، والأيام التي مضت كانت صعبة للغاية، فقد اعتقل مسلمة والأولاد صغار، وكنت حاملا في ابنتي دانا، وكانت المسؤولية كبيرة في تربيتهم وتدريسهم وايصالهم للمدرسة، وحمياتهم من الحياة وصعوبتها، وأن أكون مكان الأب لسد الفراغ في البيت، وألا يشعروا بعدم النقص، وأن يكونوا في أحسن صورة وأن نثبت للمجتمع أن المرأة قادرة على إنشاء جيل مثقف وواعي، والحمد لله ربيتهم أحسن تربية، وتعبت عليهم، فاليوم ثابت (22 عاما) هو طالب سنة رابعة في جامعة النجاح الوطنية تخصص طب، وديما (21 عاما) تدرس هندسة اتصالات سنة ثالثة في جامعة الخضوري، ودانا تدرس العلاقات الدولية في جامعة بيرزيت".
وتابعت "كنت أعتقد أن المسؤولية تقل حين يكبر الأولاد، لكنها تكبر وتعظم مع كبر سنهم، فاليوم أخاف عليهم أكثر من السابق عندما يذهبون للجامعة خاصة في ظل هذه الأوضاع، وأخاف عليهم من الاحتلال والحواجز ومن الحياة وغيرها من الأمور".
وتقول: حاولت طوال العشرين عاما أن أكون كل شيء لأبنائي، لكن هناك أشياء لا تعوض غياب الأب، ثابت الذي يحتاج للأب ليعارك المجتمع والشارع، وهذا الشيء لا استطيع توفيره له، والأمر كذلك بالنسبة لدانا ودينا، خاصة دانا المتعلقة بشكل كبير به، وتتحدث عنه كثيرا في كل جلسة.
وتضيف "أذكر عندما اصطحبت دانا وعمرها (عام ونصف) للزيارة، وكانت هذه المرة الأولى التي سيرى فيها مسلمة دانا بعد الاعتقال، وعندما جاء من بعيد أخذت تنظر اليه وهي تشير اليه وتقول "بابا.. بابا"، ليجهش مسلمة بالبكاء، حتى الأسرى تأثروا عندما رأوا المشهد".
وتشيرا إلى أن مسلمة يقسم مواعيده خلال اليوم، ويتنقل بين الأقسام، والخيم، ونحن جميعا فخورين فيه خاصة أنه استطاع أن يطوع السجن وضيع المساحة لصالحه، ويحولها كأنها جامعة أو مدرسة، وتمكن من أن يكون فاعلا ويقدم كل علمه وجهده في سبيل الأسرى.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها