زكريا المدهون
يستذكر الحاج محمد المشلح (أبو يعقوب)، طقوس وعادات شهر رمضان التي عايشها منذ طفولته والتي بدأت تختلف وربما تتلاشى بسبب الأوضاع الاقتصادية.
الحنين والشوق يسيطران على المسن المشلح (75 عاما) من سكان مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، إلى أيام رمضان قبل عشرات السنوات حيث كانت له طقوس وعادات وموروثات تجعل للشهر الفضيل ميزة خاصة.
"العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية اختلفت" يقول المشلح وهو يجلس على كرسي بلاستيكي أمام منزله في أحد أزقة المخيم.
ويتابع "في الماضي كان المواطنون ينتظرون الشهر الفضيل على أحر من الجمر، يهيئون منازلهم، من تجهيز وتخزين العديد من أنواع المواد الغذائية الموسمية مثل: البامية التي كانت تعلق في خيطان، والقطين، وعصير البندورة الذي كان يعصر وينشف بالشمس لانها كانت غير متوفرة على مدار العام كهذه الأيام".
ويستذكر السبعيني الذي تعود أصوله إلى مدينة يافا، كيف كان الناس يستعدون سويا لاستقبال هذا الشهر الفضيل عبر تنظيف أزقة وشوارع المخيم وتزيينها بما كان متوفرا في ذلك الوقت من مصابيح إنارة ملونة.
ويرى أن هذه الأيام تلقي الأوضاع الاقتصادية ومعها التقدم التكنولوجي والإنترنت بظلالها على عادات وتقاليد رمضان القديمة، حيث أن هناك الكثير من لا يستطيع صلة رحمة بسبب الفقر المدقع، وهناك من يتقتصر بالتهنئة على مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول: "كان الجميع يشم رائحة الطعام في أزقة المخيم التي تخرج من المنازل قبل ساعات من الإفطار، ويبدأ الجيران بتوزيع الطبيخ على بعضهم، ما ينشر المحبة بين الجميع، أما الآن فهذه العادة اندثرت".
"في ساعات المساء وبعد أداء العبادات وصلاة التراويح كان يجلس الرجال على أبواب المنازل وفي المقاهي يتسامرون ويلعبون النرد ويشربون الشاي والقهوة"، يضيف.
في غزة اليوم ينهشها الفقر المدقع، وارتفاع نسبة البطالة نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 17 عاما، أثر ذلك على عادات رمضان واقتصرها على صلة الأرحام من الدرجة الأولى فقط.
ولا يغيب عن ذاكرة الحاج أبو يعقوب مدفع رمضان الذي كان ينطلق وقت الإفطار.
يقول أبو يعقوب بحسرة "كل شيء تغير، اليوم كل واحد مشغول بحاله وبوضعه المادي الصعب أو نتيجة قطيعة الأرحام التي زادت بين الناس".
أم محمود عناية من سكان حي الشيخ رضوان، تتلاقى في حديثها كثيرا مع أبو يعقوب، بأن رمضان هذه الأيام يختلف عن زمان من ناحية المحبة والتكافل والتراحم بين الأسرة الواحدة والأقارب والجيران، مشيرة الى أن "صحن الطبيخ" كان يلف على جميع بيتوت الجيران الفقراء والمقتدرين.
وتضيف أم محمود (70 عاما): "كنا كلنا عائلة واحدة الجميع يشارك في تجهيز طعام الإفطار، وكذلك توزيعه على بيوت الجيران، نرسله مع أطفالنا الصغار وكذلك الجيران يفعلون بطبخة أخرى من باب التكافل والمحبة".
وانتقدت أم محمود تهنئة رمضان عبر الانترنت، قائلة: "أجمل شعور هو دخول ابنك أو بنتك أو أخيك أو أحد أقاربك ولو بيديه، هذا الحضور بالدنيا كلها".
تضيف: "أيام العيد كل نساء الأسرة والجيران كن يشاركن في إعداد الكعك والمعمول وتوزيعه على الجميع".
الشاب رائد عليان (47 عاما) يحن إلى تلك الأيام الجميلة التي يتذكر منها القليل حيث كان طفلا، يقول: "ونحن صغارا كنا ننتظر وقت الأذان بالوقوف على منطقة مرتفعة لرؤية لحظة إضاءة مئذنة المسجد، وعندها نرجع إلى بيوتنا مسرعين وفرحين لتناول طعام الإفطار
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها