أشار نتنياهو عبر الأقمار الاصطناعية في "قمة الديمقراطية" التي نظمتها وزارة الخارجية الأميركية قبل عدة أيام إلى أن التحالف بين أعظم ديمقراطية في العالم ويقصد بها الولايات المتحدة الأميركية، وبين ديمقراطية قوية وهي إسرائيل، غير قابل للتزعزع.
وجاءت تصريحات الأخير بعد يوم من تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن العلنية ضد الجهود المبذولة لكبح سلطة المحكمة العليا، حيث شكك بايدن بموقف نتنياهو من إجراءاته لتجميد قانون الإصلاح القضائي الذي أفضى إلى مظاهرات عارمة طيلة الأسابيع السابقة، أصابت الحياة بالشلل في مختلف أنحاء إسرائيل.
ويبدو أن موقف بايدن المتشكك من تجميد نتنياهو قانون الإصلاح القضائي جاء بسبب التحذيرات المتكررة التي لم تلق آذانًا صاغية في تل أبيب، من قبل الإدارة الأميركية لرئيس الوزراء الإسرائيلي حول ضرورة وقف قانون الإصلاح القضائي واستبداله بقوانين تحظى بقبول عامة الناس. وكان آخر هذه التحذيرات ما قام به وزير الدفاع الأميركي أوستن عندما زار إسرائيل قبل عدة أسابيع ووبخ نتنياهو على استمراره بدعم هذا القانون.
في الواقع، بايدن أيقن كلياً أن نتنياهو يراوغ، تماماً كما فعل سلفه "أوباما" حينما أعرب عن انزعاجه من كذبه أثناء حديثه مع الرئيس الفرنسي ساركوزي على هامش قمة العشرين في "كان" بفرنسا في العام 2011.
الغريب في هذه المفارقة، أنه مع تنامي التظاهرات ضد حكومة نتنياهو وخروج مئات الآلاف للشوارع منددين بالدكتاتورية والفاشية، ومطالبين بإسقاط حكومة نتنياهو، يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي على الجميع مشيداً بالديمقراطية الإسرائيلية واصفًا إياها بالقوية والأبدية. فعن أي ديمقراطية يتحدث نتنياهو وقد بلغ ترتيب إسرائيل في مؤشّر الفساد العالمي الحالي المرتبة 36 من إجمالي 180 دولة؟ وما هي هذه الديمقراطية التي وضعها مؤشر الديمقراطية العالمي التابع لمجلة الايكونوميست البريطانية في العام 2022 في مرتبة الديمقراطيات الهشة (المعيبة)؟ ليس هذا فقط، فقد أشار المؤشر السابق إلى تراجع إسرائيل ست مراتب لمؤشر الديمقراطية للعام 2022 من المرتبة 23 إلى 29 من أصل 165 دولة. ومن المتوقع أن تنزلق إسرائيل في ترتيب منخفض أكثر للعام الجاري 2023، بسبب انقسامات داخلية حادة نتيجةً لقوانين الإصلاح القضائي وطبيعة العلاقة المحتدمة بين الاشكناز والحريديم ونمو الفاشية الدينية داخل المجتمع الإسرائيلي.
من جانب آخر، عن أي ديمقراطية يكذب نتنياهو على العالم وهو يفتخر وفريقه الحكومي الفاشي بأن إسرائيل هي دولة لليهود فقط؟؟ أي ديمقراطية هذه لفئة واحدة من مواطنين الدولة؟؟ وأي ديمقراطية هذه وإسرائيل دولة فصل عنصري؟ وأي ديمقراطية هذه وقد أظهر استطلاع "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية" للعام 2022، الصادر عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، أن نسبة ثقة الإسرائيليين في مؤسسات الدولة وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عشرين عامًا؟؟
في الحقيقة، على العالم أجمع أن يتوقف عن نعت إسرائيل بأنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط. ربما كانت واحة في السابق ولكنها الآن حتماً صحراء قاحلة ترابها مجبول بالدم والعنصرية. إنها "دولة تتحرك بسرعة خطيرة نحو القومية المتطرفة والأصولية والعنصرية والفاشية، أي أنها تحطم الأسس الديمقراطية التي بنيت فيها"، كما قال جدعون ليفي في مقاله الأسبوع السابق في صحيفة هارتس.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها