اكتب مقالي اليوم الأحد، مساء أمس السبت، وقبل مظاهرة المعارضة الإسرائيلية في ساحة "هيبا" أو "رابين"، التي تأتي امتدادا للمظاهرتين السابقتين منذ تولي حكومة نتنياهو السادسة مهامها قبل 17 عشر يومًا، وتعكس حالة الاستقطاب والشد بين الموالاة والمعارضة، بعد ما شهدته مظاهرة السبت الماضي الموافق 7 كانون الثاني/ يناير من مواقف عدائية بين الطرفين، حيث دعا النائب فوغل، من حزب "قوة إسرائيل" إلى اعتقال ومحاكمة كل من لبيد، رئيس المعارضة، وغانتس وزير الحرب السابق بتهمة الخيانة، ودافع عنه رئيس الحكومة الفاشية، نتنياهو، معتبرًا موقفه "طبيعيًا" في ظل احتدام النقاش حول سياسات الحكومة الأكثر فاشية في إسرائيل، ليس هذا فحسب، إنما قام بعض المستعمرين المتطرفين بمهاجمة المتظاهرين وهم يقودون الدراجات، كما هاجم قطعان المستعمرين النائب عن القائمة المشتركة، أيمن عودة، وحدث ولا حرج عن حالة التجاذب والاحتقان في ضوء حالة الاسهال المفرط لحكومة غلاة الفاشية بسن جملة من القوانين المستهدفة الإسرائيليين اليهود الصهاينة قبل الفلسطينيين العرب، أو بالأحرى دون تمييز بينهم، فمن قانون "تحريم رفع العلم الفلسطيني"، إلى قانون "تعديل قانون المحكمة العليا" أو كما يسمونه "قانون ليفين" ... إلخ.
ومن مظاهر اقتراب لحظة الانفجار في مظاهرة أمس، اجتماع ما يسمى وزير "الأمن القومي"، بن غفير مع قيادة الشرطة والشاباك الأسبوع الماضي لتقييم الوضع تحسبًا لتداعياتها، ورد لبيد في رسالة موجهة لمفوض الشرطة، كوبي شبتاي، بلغ وزيرك المطلوب حماية المتظاهرين، وليس الخوف منهم. ولا داعي لتقييم وضع". وقال رئيس الحكومة الأسبق، ايهود باراك في مقال نشره في صحيفة "يديعوت احرونوت" أمس السبت، جاء فيه: إن "ما نخوضه اليوم تجاه الحكومة الحالية، هو أهم معركة في حياتنا. ومازال يحول دون اصطدامنا بها طبقة رقيقة من "الحراس".
وسيكون مخاضها عسيرًا، يتخللها الكدح والعرق والدموع، وسيتم حسم المواجهة في النضال خلال مظاهرات الشوارع والساحات والطرقات، وأماكن العمل والجامعات في ضوء ما تشهده هذه الأيام من اشتعال شرارات الإرادة الجماعية. رغم أن ذلك قد يسفر عن اندلاع اضطرابات مدنية، وصولاً لنشوب ربيع صاعد، عندما يخرج مليون إسرائيلي للشوارع، وتسقط هذه الحكومة الشريرة". وأضاف باراك: إن "الخلاف القائم مع حكومة بنيامين نتنياهو يصل لمرحلة خوض القتال، وهذا إنذار حقيقي، لأن الخطر محدق بإسرائيل ووشيك فعلاً".
وعلى هذا الصعيد نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أمس الأول الجمعة تحليلاً يعالج التطورات المتسارعة في الشارع الإسرائيلي، جاء فيه: "هناك مسرحية هزلية رائعة تم عرضها العام الماضي (2022) حيث سُئل أحد الشخصيات الرئيسية، وهو إسرائيلي شديد الكلام، على غرار القاسي، يدعى شاولي، على يوم الانتخابات ما الحل للشلل السياسي المستمر؟ أجاب "نحن بحاجة ماسة إلى حرب أهلية". هذا ما صرح به شاولي، الذي يؤدي دوره الكوميدي عاصي كوهين. وتابع التحليل، كل دولة تحترم نفسها مرت بحرب أهلية. أنظر إلى الأميركيين. ماذا كان هناك قبل الحرب الأهلية؟ الغرب المتوحش، والآن وصلوا إلى القمر..."، ونسي شاولي أن إسرائيل ليست أميركا، ولا غيرها من الدول ذات الجذور التاريخية، وبالتالي الحرب الأهلية الإسرائيلية القادمة تحمل في طياتها فناء واندثار الدولة اللاشرعية.
لا أريد الاستطراد بالاقتباسات الإسرائيلية، التي تعكس حالة السخط والغضب داخل النخب السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية حتى بعض الدينية، حيث تشير كل المؤشرات إلى أن أجراس الحرب الأهلية التي تقرع منذ ما يقارب العقدين، أي منذ اغتيال إسحاق رابين، رئيس الحكومة الأسبق عام 1995، وهي آخذة في ارتفاع أصواتها، ولكن صوت اليمين المتطرف والفاشي كان أعلى صخبًا، وحال دون أن تسمع أو ترى النخب شرارة الحرب، وهي تتقد تحت الرماد الاستعماري المتوحش. كما أن ألاعيب الحاوي والحسابات الشخصية على حساب المشروع الصهيوني ودولته المارقة أعمت الأبصار عن رؤية الخط البياني الصاعد لشرارة الحرب الأهلية في إسرائيل، الآن وبعد انتخابات الكنيست الـ25 وصعود الفاشيين الجدد لسدة التشريع والسلطة التنفيذية زالت كل المساحيق، وذاب الثلج وبان المرج، ولم يعد الحديث عن الحرب الأهلية من باب الترف الفكري السياسي، كما كان البعض يعتقد، وإنما بات حقيقة ماثلة للعيان، قادة إسرائيل أنفسهم وخبراؤها السياسيون، هم من يتحدثون عنها، وليس نحن. والأيام والأسابيع القادمة كفيلة بإعطاء الجواب.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها