لكل مدينة وقرية فلسطينية قصتها، أسطورتها الخاصة في التاريخ، ولكن لنابلس قصة مختلفة اكتسبت فيها بجدارة لقب جبل النار، لأنها كانت ترفض الاحتلالات، تتمرد وتقاوم، ونجحت في صد جيش نابليون لمجرد أنه اقترب منها. ودائمًا ما يفتخر أهل نابلس ويعدون أسماء الغزاة الذين مروا على مدينتهم عبر التاريخ ورحلوا وبقيت نابلس، لذلك لديهم ثقة بان الاحتلال الإسرائيلي كغيره من الغزاة سيرحل، وأن رحيله أقرب مما يظن كثيرون.
ربما أعطاها موقعها الاستراتيجي، كممر ضيق بين جبلي جرزيم وعيبال، هويتها المقاومة المتمردة، فلا يمكن أن تكون حارس مثل هذا الممر وتسمح بأن يتنقل الغزاة بسهولة ويسر، ونابلس تواصل اليوم دورها التاريخي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. ليلة أول أمس قدم اهل هذه المدينة العظيمة خمسة شهداء، من خيرة شبابهم شباب فلسطين المشرقة وجوههم، وخلال تشييع جثامين الشهداء، أظهرت نابلس تصميمها الملازم لها عبر كل العصور بأنه لن ترضخ للإرهاب والحصار، وستواصل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي ظل الحملات الانتخابية للأحزاب الصهيونية يتباهى رئيس الوزراء الإسرائيلي لبيد أن جيشه وأجهزته الأمنية قامت بعملية معقدة في نابلس القديمة وسفكت الدم الفلسطيني، هو يعتقد أن العملية ستأتيه بالمقعد السحري في الكنيست ليكون له الغلبة في تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة.
وربما يعتقد لبيد، وكل الطبقة السياسية الإسرائيلية، أن قتل فلسطيني كل صباح سينهي الصراع ويخمده، لكنه يقول في آخر تصريح له أن هناك في الضفة ثلاثة ملايين فلسطيني يكرهوننا، فهو يعلم أنه بالقتل والبطش والإرهاب يزرع الحقد والكراهية ويعمق الصراع ولا ينهيه. تجربة أكثر من مائة عام من الصراع أثبتت أنه مع كل شهيد جديد يولد جيل جديد أكثر إصرارًا على المقاومة، جيل جديد فاقد الأمل من امكانية ان توصله طريق السلام لحياة كريمة في حالة من الحرية والاستقلال، فالسؤال متى سيدرك الإسرائيليون أن الشعب الفلسطيني لن يقبل احتلالهم؟
نابلس وجنين رائدتا المرحلة
ليس الاحباط واليأس وحدهما ما يدفع الشباب الفلسطيني للمقاومة والتضحية بأنفسهم، بل ويتدافعون نحو الاستشهاد، إنما الرغبة بالخلاص والتحرر من الاحتلال هما الدافع الاقوى والمتواصل جيلاً بعد جيل. الشعب الفلسطيني يعيش في ظل هذا المزيج الصعب المعقد الذي يجمع بين ما هو سلبي يتعلق باليأس من إنهاء الصراع بالسبل السلمية، من الحياة الصعبة تحت الاحتلال وممارساته، ومن جهة أخرى يتعلق بالحق الطبيعي للسعي لنيل الحرية. والفلسطيني، وعندما يزداد إحباطًا يزداد اصراره على الخلاص وليس الاستسلام والرضوخ للواقع وهذا ما لا تفهمه دولة الاحتلال.
نابلس وجنين ومخيم جنين ومخيم شعفاط، وكل المدن والقرى والمخيمات تعيش على وقع الاحباط والتمرد والمقاومة، وربما ما نحتاجه ليصبح التمرد والمقاومة أكثر نجاعة ومؤثرة وتحقق انجازًا نوعياً، هو أن نقف موحدين وفي الوقت نفسه، وأن لا نترك لسلطة الاحتلال فرصة الاستفراد بكل منطقة على حدة. ولعل الكثير من اخفاقاتنا السابقة، عبر كل المراحل، كانت تحصل بسبب انقساماتنا والسماح للعدو والاستفراد بنا الواحد بعد الآخر، ولعل العبرة الأهم مما تقوم به نابلس وجنين هو أن نقف موحدين متضامنين، لكي لا تذهب دماء الشهداء هدرًا.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها