قبل أيام وخلال زيارة سيادة الرئيس أبو مازن إلى ألمانيا ولقائه بالمستشار الألماني أولاف شولتس، وتأكيد سيادته على ضرورة حماية حل الدولتين واحترام القانون الدولي والقرارات الدولية، ووصفه إسرائيل باتباع نظام الفصل العنصري ولجرائم الاحتلال الإسرائيلي كشكل من إرهاب الدولة، إلا أن شولتس رفض وصف إسرائيل بدولة ابارتهايد، وقال إن الوقت غير مناسب الآن للاعتراف بدولة فلسطين أو رفع مكانتها في الأمم المتحدة إلى دولة كاملة العضوية.
لقد كان سيادة الرئيس أبو مازن يطرح الحقيقة الدامغة بوضوح لا يقبل التفسيرات المختلفة بخصوص أكثر من ٥٠ مجزرة وجريمة ضد شعبنا، وذلك ردًا على سؤال لأحد الصحفيين خلال المؤتمر الصحفي مع المستشار الألماني.
لقد كانت إجابة سيادة الرئيس تتفق والحقائق التاريخية عبر ٧٤ عامًا بل وأكثر لوحشية العصابات الصهيونية وحكام دولة إسرائيل الفاشيين من ارتكابهم للمجازر وجرائم التطهير العرقي وحرق بعض الأطفال أحياء مثل الدوابشة وأبو خضير، التي ما زالت ترتكبها حتى يومنا هذا كمجزرة الأطفال في غزة التي اعترف الاحتلال نفسه بتنفيذها دون أن يعتذر عنها، فلماذا كان على سيادة الرئيس وفق مطلب الصحفي الألماني بسؤاله أن يعتذر عن عملية ميونخ؟!
لقد تمتع سيادته بجرأة الحق والوصف في مواجهة باطلهم وتزويرهم للحق ووقائع التاريخ، فلم يكن من حاجة لمزيد من الإيضاح، فمكانة سيادة الرئيس لا تخضع لاستفزازاتهم التحريضية، بل ومن غير المقبول أيضًا بحكم مبادى المواثيق الدبلوماسية وحريات الرأي التي من المفترض العمل بها لدى الأوروبيين وفق أسس نشوء اتحادهم الأوروبي أن تفتح شرطتهم ملفًا تحقيقيًا بحق رئيس دولة على ما قدمه من حقائق وسرد للرواية الفلسطينية أمام روايتهم المتلاعب بها منهم دون أن ينكر جرائم التاريخ.
إن المستشار الالماني أولاف شولتس لا يعتقد أن إسرائيل تمارس سياسات الفصل العنصري، فماذا عن قدومه ليرى حقيقة ما يعنيه أكثر من 60 قانونًا عنصريًا تُروج للتفوق اليهودي؟ ماذا عن الذهاب إلى مسافر يطّا؟ وماذا عن الشيخ جراح والأغوار والقدس والمستوطنات والطرق الخاصة بهم؟
الهولوكوست النازي وتلك الجرائم التي رفضها شعبنا وقيادتنا لأننا ضحية مجازر وحرائق من جانب الحركة الصهيونية، ولأننا نؤمن بالمبادئ الإنسانية، إلا أن إسرائيل والغرب لا يريدون لأحد سواهم أن يكون ضحية ظلم تاريخي، واليوم تريد الشرطة الألمانية فتح تحقيق ضد سيادة الرئيس أبو مازن بخصوص ما أدلى به من تصريحات، إن ذلك لا يتسم مع مبدأ حسن العلاقات الثنائية ولا مع الأسس الدبلوماسية المعمول بها.
إسرائيل والغرب منذ أيام يشنون هجومًا متعمدًا ضد سيادة الرئيس أبو مازن بسبب استخدامه كلمة هولوكوست في وصف الجرائم الإسرائيلية، ويتنكرون لجرائم الحركة الصهيونية التي لم تَقِل بشاعة عن جرائم النازية التي نُدينها بالطبع ، ويتناسون مسوؤلية الحركة الصهيونية بالتاَمر مع النازيين في تلك البشاعة التاريخية التي لم تستهدف فقراء اليهود فقط بهدف إجبار بقيتهم على الهجرة الاستيطانية إلى فلسطين، وعملهم المشترك لعدم حل المسألة اليهودية في إطار المجتمعات الأوروبية، بل أيضًا شعوب أوروبا كافة وحركات المقاومة فيها التي قاتلت ضد الوحش النازي ومنهم اليساريون الألمان.
وقبل أيام في ١٧ اَب أحيا اليونانيون ذكرى إحدى جرائم الهولوكوست النازية التي راح ضحيتها ٣١٦ يونانيَا ارثوذكسيًا في ليلة واحدة بإحدى قرى اليونان من بين مجازر كثيرة أخرى ارتكبتها النازية هناك وراح ضحيتها عشرات الآلاف من اليونانيين.
كما أن ضحايا الهولوكوست طالت مواطنين روسًا، والعديد من شعوب الاتحاد السوفييتي السابق وشعوب أوروبا الشرقية من غير اليهود الذين يريدون احتكار بقائهم كيهود ضحية وحيدة بالتاريخ تُذرف الدموع عليها تبني عليها دولة إسرائيل مصادر التعاطف معها حتى اليوم.
إن مصطلح "الهولوكوست" ليس احتكارًا أحاديًا singularity أو اختراعًا لغويًا يهوديًا، فأصل المفردة يعود لكلمة يونانية قديمة "الهولوكوستوم"، وقد استخدمت مرارًا في التاريخ لوصف جرائم التطهير العرقي والمحارق وما زالت تستخدم في إحياء ذكرى بعضها كما ذكرت باليونان مثلاً، فما المانع من أن تُوصَف جرائم الصهيونية بها، وهي من المفترض أنها لا تضيرُ أحداً، خاصة ألمانيا الحديثة التي تخلصت من النازية منذ زمن انكسارها. وأذكر هنا بأن بعض الإسرائيليين أنفسهم ومن بينهم جنرالات حرب شبهوا جرائم الاحتلال بأعمال النازية.
إن الحقيقة الواضحة هي أن الصهيونية كانت ولا تزال حركة معادية للسامية تتلاعب بالرواية الدينية اليهودية وتستغلها من أجل مصالحها الاستعمارية السياسية وإنها في المرجعية هي حركة عنصرية، الأمر الذي أشار له وزير خارجية روسيا لافروف عند حديثه عن هتلر قبل عدة أشهر، كما وأن هذه المقاربة أكدتها لاحقاً عام ١٩٧٥ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أن يتم إلغائه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبضغوط من الولايات المتحدة وحلفاؤها.
فإن الحركة الصهيونية ما زالت تعيش على استغلال دماء ضحايا الحرب العالمية الثانية وبالأخص اليهود منهم، وإلى استمرار تقديم نفسها كضحية أمام العالم، خاصة في ظل الأزمات المتتابعة الداخلية التي تعيشها وتعصف بهويتها، فإنها تصر على وجودها كدولة يهودية خالصة وفق قانون القومية العنصري الذي أقره الكنيست فيها قبل أعوام، وفي ظل مواجهة الانتقادات المتزايدة لها من منظمات حقوقية وجماهيرية ودولية وحتى يهودية حول العالم.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها