تأخر إعلان نفتالي بينيت ويئير لبيد، الثنائي المركزي في ائتلاف حكومة التغيير الإسرائيلية، الذي تم أول أمس الإثنين الموافق 20 حزيران الحالي عن حل الكنيست الـ24، والذهاب لانتخابات برلمانية جديدة للمرة الخامسة في أربع سنوات، لأن الحكومة كان يفترض أن تنهار في الشهور الأولى من تشكيلها، لأن تركيبتها وائتلافها السباعي متعدد التوجهات وإن كان ذات خلفية صهيونية رجعية واحدة، باعتباره الناظم الأساس لكل القوى الصهيونية، وحتى حليفهم الفلسطيني كتلة "راعم" ذات الخلفية الإخوانية لا تختلف كثيرًا عنهم في الجوهر.
المهم أعلن بينيت صاغرًا عن إنهيار حكومته الفاسدة والفاشية، لأنه فقد أولاً الأغلبية داخل البرلمان الإسرائيلي؛ ثانيًا كون حزبه "يمينا" بات قاب قوسين أو أدنى من التفكك بعد خروج عيديد سيلمان، واستعداد نير أورباخ للانشقاق عن الحزب، ودعم الليكود، وفي نفس الوقت، محاولات شاكيد للانقضاض على ما تبقى من الحزب، أو الانشقاق وتشكيل إطار جديد؛ ثالثًا عدم تمكن الائتلاف من تقديم مشاريع قوانين جديدة للتصويت عليها في الكنيست لعدم وجود أغلبية، وعليه سحب الائتلاف كل مشاريع القرارات التي تقدم بها سابقًا؛ رابعًا استباقًا لتوجه المعارضة بزعامة نتنياهو بتقديم مشروع قرار بحل الكتيست يوم الأربعاء (اليوم) وحتى لا يعطي المعارضة شرف إسقاط الحكومة؛ خامسًا أيضًا لتمرد نائبين فلسطينيين على ضوابط الائتلاف، وهما غيداء زعبي (ميرتس) مازن غنايم (راعم)، ورفضهما الالتزام بالدفاع عن مشاريع القوانين العنصرية؛ خامسًا كل ما تقدم شكل حالة تآكل وتفكك في بنية الائتلاف الحاكم، الذي ولد تحالفًا مأزومًا، ومليئًا بالتناقضات، لم يجمع بين مكوناته سوى العداء لنتنياهو، زعيم الليكود، وإبعاده عن رئاسة الحكومة. وهو سبب تافه وقاصر ويعكس إفلاس القوى الصهيونية جميعها، وعدم تمكنها من كسب ثقة الشارع الإسرائيلي.
فضلاً عن عدم طرح أي منها رؤى برنامجية سياسية أو اقتصادية تتعلق بالمجتمع أو النظام السياسي، وبقيت جميع القوى أسيرة فزاعة عودة زعيم الليكود، حتى إدارة الرئيس بايدن الأميركية لحسابات خاصة بها، إضافة لتحالفها الاستراتيجي مع دولة إسرائيل الاستعمارية، دعمت الائتلاف بقوة، ولم تحاول الضغط على رئيس الحكومة، صاحب المقاعد الستة، والائتلاف لقطع الطريق على عودة نتنياهو، والمعادي للحزب الديمقراطي. ومع ذلك ما زال نتنياهو، رغم كل قضايا الفساد الأربع التي تلاحقه أمام المحاكم الإسرائيلية الأكثر شعبية، وأمس الثلاثاء أظهر استطلاع للرأي نشره "راديو 103" أن حزب الليكود بزعامة نتنياهو سيحصد 36 مقعدًا في الكنيست في حال جرت الانتخابات اليوم.
هذا وتم إعلان يوم الثلاثاء الموافق 25 تشرين الأول / أكتوبر القادم موعدًا لإجراء الانتخابات القادمة، وهو ما سيجري التصويت عليه اليوم الأربعاء الموافق 22 حزيران الحالي. سيتولى رئيس الحكومة البديل، يئير لبيد رئاسة مجلس الوزراء خلال الفترة الانتقالية وفق الاتفاق بين أركان الائتلاف، وهو ما سيفقد بينيت الفرصة في استقبال الرئيس بايدن الشهر المقبل كرئيس حكومة.
حل الكنيست مجددًا فتح أبواب الأزمة البنيوية في المركبات الصهيونية على مصاريعها، ولا أعتقد أن أيًا من الموالاة أو المعارضة سيتمكن من تشكيل حكومة جديدة، إذا حافظت نتائج استطلاعات الرأي المعلنة على مستوياتها الحالية. لا سيما وأن المعارضة بزعامة نتنياهو ستحصل على 59 مقعدًا، في حين الموالاة ستحصد 55 مقعدًا، وبالتالي لن يتمكن أي منهم من الحصول على الأغلبية إلا إذا تحالف مع إحدى القوائم الفلسطينية. وهو ما يؤكد مجددًا أن الصوت والمقعد الفلسطيني في الكنيست، هو بيضة القبان شاءت القوى الصهيونية اليمينية المتطرفة أم أبت. وإن رفضوا التحالف مع إحدى القائمتين رغم أن منصور عباس، زعيم القائمة العربية الموحدة "راعم" أعلن سلفًا استعداده للانخراط في تحالف مع نتنياهو وبن غفير. ولكن ليس المهم ما صرح به زعيم الحركة الإسلامية الجنوبية، إنما المهم قبول أو عدم قبول القوى الفاشية الائتلاف معه. رغم أن التحالف معه لا يكلف القوى الصهيونية سوى أثمان بخسة. لكن مشكلة تلك القوى العنصرية في مبدأ القبول بأي فلسطيني مهما كانت خلفيته.
وإن لم تتم إقامة ائتلاف يميني متطرف قوي، وإن لم يلجأ الصهاينة لإحدى القوائم الفلسطينية ستعود دوامة دورة الانتخابات مجددًا للواجهة، وهو ما يعكس النتيجة العلمية القائلة، إن المشروع الصهيوني وصل إلى نهاياته، ولم يعد قادرًا على مواصلة الحضور، حتى لو ضخوا في جسده المترهل كل وحدات الدم، أو صنعوا له أرجلاً من خشب، لن يقوى على البقاء، وهذا لا يعني الانهيار الدراماتيكي، وإنما سيشهد جملة من الأزمات، التي قد تؤدي لحرب أهلية بين القوى الصهيونية المختلفة، مع ما لها من تداعيات متعاظمة على مستقبل دولة المشروع الصهيوني الكولونيالية. وقادم الأيام كفيل بإعطاء الجواب.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها