إيهاب الريماوي

كتبت رند في دعوة نشرتها على حسابها في "فيسبوك" لحضور مشروع تخرجها في جامعة بيرزيت: "كُنتُ على ذات الخُطى، وأكملتُ الرسالة، واليوم أجلس بجانبك مودعين أيامنا الأخيرة في مكانٍ احتوانا بآمالنا وخيباتنا، علّنا نلتقي في مرحلة قادمة بعد أن ذقنا من البعد ما ذقناه".

ولما أنهت تقديم مشروع تخرجها ونقاشه، قالت: "أحلام مؤجلة، وحضور مؤجل، وفرح مؤجل، وصورة مؤجلة.. وأنا أنتظر".

الرسالة التي أكملتها رند، كانت حلم والدها الأسير عبد الكريم الريماوي المحكوم بالسجن (25 عاما) بالحصول على شهادة الإعلام من جامعة بيرزيت، إلا أن اعتقاله أجهض حلمه أو أجله منذ واحدٍ وعشرين عاما.

اعتقل عبد الكريم من بلدة بيت ريما شمال غرب رام الله، في الثامن عشر من حزيران / يونيو 2001، على حاجز نصبه جيش الاحتلال الإسرائيلي قرب قرية النبي صالح، بينما كان عائداً من جامعته، ووقتها كان قد أنهى سنته الثالثة.

تأسف رند، لأن والدها لم يتمكن من تحقيق حلمه إلى الآن، فاليوم تتخرج من الجامعة قبل أن يحقق حلمه، لكن ترى بأنها قد حققت ذاك الحلم بعد تخرجها بالتخصص الذي كان شغوفا به.

تقول إن والدها ورغم غيابه القسري مذ كانت رضيعة لا تتجاوز الثمانية أشهر، فإنه كان دائما إلى جانبها خاصة في دراستها الجامعية، فسيرته وصورته كانت ترافقها دائما، وكان أول من يلاقيها عند مدخل كلية الإعلام، حيث علقت صورته على مدخل الكلية، كونه أحد طلبتها الأسرى.

"لم يغب والدي أبدا عن حضوره معي طيلة حياتي الجامعية، كنت أشاركه النقاش حول بعض المواد الأكاديمية، وكان يوجهني كثيرا في دراستي، كنا نتواصل من خلال المحامي، أو خلال الزيارات إلى السجن، حتى أن فكرة مشروع التخرج كانت له بصمة واضحة فيها، فهو من أعطاني الخطوط العريضة لأسير عليها في بحثي"، تضيف رند.

ستتخرج رند رسمياً من الجامعة في 28 الشهر الجاري، وفي اليوم التالي ستزور والدها القابع في قسم (21) بسجن النقب، ولهذه الزيارة مكانة خاصة ستحمل فيها فرحها بتحقيق حلمها وحلمه، رغم أنها كانت تتمنى عند نجاحها في الثانوية العامة عام 2018 بأن يشاركها مقاعد الدراسة بالجامعة، إلا أن ذلك لم يتحقق.

"سأكمل دراسة ماجستير الإعلام الرقمي من إحدى الجامعات، فلدي طموح سأحققه، ووالدي يشاركني أيضاً هذا الطموح، فبشهادة أساتذتي فإنني كنت متفوقة في دراستي، لم أطلب يوما العطف كوني ابنة أسير، فطالما أردت أن أثبت نفسي بذاتي، لم يكن تقصيري يومياً بحاجة لمبررات، فإن قصرت فهذا مني، لكني حافظت على تفوقي وتميزي، فأنا أنجزت مواد مهمة تمثلني وتمثل والدي في نفس الوقت"، تقول رند.

التحق عبد الكريم خلال أسره بجامعة القدس المفتوحة، وأنهى متطلبات الحصول على شهادة البكالوريوس بتخصص الخدمة المجتمعية، ولديه اهتمام بالغ بقراءة الكتب، إضافة إلى المواظبة على ممارسة الرياضة بشكل يومي.

سيفرج عن عبد الكريم في حزيران/ يونيو 2026، ووفق رند فإن السنوات الخمس الأخيرة من أسره هي الأصعب عليه، فأصبح يمل كثيراً، وينتظر كثيراً، ويعد هذه السنوات بشوق كبير، فهي لحظات حاسمة بالنسبة له، فمنذ بداية أسره لم يكن ينظر إلى هذه السنوات الطويلة من حكمه، فهو كان يقيسها بالخمسة، حيث عندما كان ينهي خمس سنوات، يبدأ بعد السنوات الخمس الأخرى، وهكذا.

"دائما لحظات البداية والنهاية هي أكثر المراحل تأثيرا، صحيح أنه كان لدي أمل أو معجزة بأن يشاركني مقاعد الدراسة، لكنني اليوم أنهيها دون أن يشاركني هذا الأمل، هذه اللحظات تشعر بأن مقعده فارغ بحاجة إلى أن يملأه، سأفتقده كثيرا في حفل التخرج، سأنظر إلى والدتي الجالسة أمامي، وأتفقده، لكني أدرك تماما أن هذا الفراغ سيملأ قريبا"، تختم رند.

نقل عبد الكريم رسالة إلى أسرته، مفادها أنه بكى مرتين في أسره، الأولى يوم وفاة والده عام 2017، والثانية عندما علم أن رند قدمت مشروع تخرجها.