ليس صعباً على المراقبين توقع فوز حركة "فتح" في انتخابات الهيئات المحلية في مرحلتها الثانية، ولكن المفاجئ أن يتم توقع هذا الفوز الكاسح لحركة "فتح" في غالبية الهيئات المحلية التي جرت بها الانتخابات. وباتت جملة "انتخبوها فتح" يتردد صداها داخل بيوت الضفة الغربية وداخل أروقة الأحزاب. وفي كل مكان حسم الشعب الفلسطيني كلمته بأنه يثق في حركة فتح كحركة تحرر وبناء قادرة على صياغة المشروع الوطني وقادرة على النضال من أجله.
في هذه الانتخابات حسمت حركة "فتح" 23 هيئة انتخابية بالتزكية، كما أنها حسمت غالبية المدن الرئيسية في الوطن بما فيها نابلس وبيت لحم ورام الله وجنين وسلفيت. وحتى في تلك الهيئات التي يمكن لفتح أن تخسر رئاسة البلدية فيها نتيجة لغياب التحالف مع قوائم المستقلين، فإنها تظل صاحبة المقاعد الأعلى في غالبية هذه الهيئات. وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على ارتفاع شعبية الحركة باعتبارها القوة الأكبر التي تعمل في الشارع الفلسطيني، والتي تخدم أبناءه.
بالمقابل، فإن حركة حماس تعتبر الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، وذلك لعدة أسباب؛ أهمها:
1- أن سلوكها الانتخابي اختبأ بمجمله وراء ستار العشائر والقوى المستقلة دون بروز حقيقي لها كإطار تنظيمي.
2- أنها وقعت في تناقض رئيس، من حيث إنها رفضت المشاركة في الانتخابات المحلية على لسان قادتها، وفي الوقت نفسه سمحت لكوادرها بالعمل على تشكيل قوائم تحت اسم المستقلين بتحالفات واضحة مع بعض القوى اليسارية والعشائرية.
3- أنها وقعت في إشكالية قيمية واضحة المعالم، من حيث إنها تنافست ضد فتح في الانتخابات المحلية ومنعت إجراء هذه الانتخابات في المحافظات الجنوبية في تناقض سافر مع بروباغندا الحركة حول أهمية الانتخابات والتداول السلمي للسلطة.
4- أن غالبية الهيئات المحلية التي شاركت قوائمها بها لم تنجح في الحصول على مقاعد توازي المقاعد التي حصلت عليها قوائم حركة "فتح" أو القوائم المحسوبة على الحركة.
5- أن مدينة الخليل التي قيل إنها حسمت بدعم من حماس، فإن غالبية أعضاء قائمتها ليسوا من المحسوبين على حركة حماس أو حتى من أنصارها.
من زاوية أخرى، هنالك عدة دلالات على فوز حركة فتح الكاسح في الانتخابات المحلية أهمها:
1- أن حركة "فتح" نجحت في كسب ثقة الجماهير نتيجة لخبرتها ومصداقيتها العالية في خدمة الجمهور.
2- أن حركة "فتح" عملت باجتهاد في إدارة الحملة الانتخابية واستخدمت عدة تكتيكات انتخابية تبعاً لكل موقع. وكان لمشاركة أعضاء اللجنة المركزية دور مهم في توحيد صفوف الحركة وشحذ الهمم في التصويت لصالح الحركة.
3- النجاح في توحيد صفوف الحركة، حيث ساندت الحركة كل القوائم المحسوبة عليها، وأعطتها المجال للتنافس في الانتخابات ما أبعدها عن شبح الانقسام الذي خيم على كافة أنماط الانتخابات في السابق.
4- اختيار المرشحين الأكثر شعبية وقبولاً بين المواطنين ساعد أيضًا في اكتساب ثقة الناخب الفلسطيني.
وأخيراً، فإن نجاح السلطة الوطنية في تنظيم هذه الانتخابات بنزاهة عالية وبشهادة المراقبين المحليين والدوليين، يعبر عن إيمان القيادة الفلسطينية بأهمية العمل الديمقراطي في الحياة السياسية العامة. بالمقابل، فإن منع حماس إجراء الانتخابات المحلية والانتخابات النقابية والطلابية في قطاع غزة يطرح عدة تساؤلات جدية تواجهها حماس حول مدى إيمانها بالعملية الديمقراطية ومدى استعدادها لإنهاء الانقسام. أما السؤال الأبرز الذي لا نعرف الإجابة عليه حتى الآن وهو كيف ستواجه حركة حماس الضغوط الداخلية عليها نتيجة لفشلها في هذه الانتخابات؟ وما هي التفسيرات التي ستقدمها لكوادرها التنظيمية الذين خذلتهم نتيجةً للخسارة المدوية؟ وهل هذه الضغوط ستقنع حماس بالسماح بإجراء انتخابات محلية في المحافظات الجنوبية؟ أم أنها ستدفعها إلى مزيد من تكريس نمط الفردية في حكم القطاع؟.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها