أن يعتبر الرئيس الأوكراني زيلينسكي بلاده أوكرانيا نسخة من اسرائيل، وأنهما تواجهان ذات التحدي الوجودي والمصير، فنعتقد أنه بهذا التشبيه لا يسيء إلا لشعب أوكرانيا، فهذا الذي أوقع بلاده في مأزق خطير بسبب جهله وخبرته في دهاليز السياسة ذهب بلا أدنى وعي وادراك لما يقول إلى حد مطابقة بلاده أوكرانيا بمنظومة احتلال استيطانية، عنصرية، بدولة اسرائيل الخارجة على القانون الدولي، دولة يمارس ساستها التمييز والتطهير العرقي والتهجير والمجازر بحق الشعب الفلسطيني، وهذا ليس اتهامًا منا نحن الشعب الفلسطيني الضحية وحسب، بل الأحكام التي اطلقتها مؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الانسان وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الانسان.
هل سأل زيلينسكي نفسه ماذا كانت تفعل غولدا مائير الاوكرانية اليهودية الصهيونية في فلسطين وطن الشعب الفلسطيني التاريخي؟ ولماذا تركت وطنها الأصلي أوكرانيا كما أقر واعترف وجاءت إلى بلادنا مستوطنة مسلحة غازية بهدف اجتثاث جذور الشعب الفلسطيني؟ ألم يطلع بحكم مقامه كرئيس على سجل مائير قبل أن يتخذها مثلاً في رسالة التسول التي تلاها أمام الكنيست؟ فقد استشهد بمجرمة حرب مسؤولة عن أرواح آلاف الفلسطينيين والعرب، سفكت دماءهم بأسلحة أميركية ولم يكتف بهذا بل حاول احتقار التاريخ والحقائق التي يعرفها العالم عندما زيف الحقيقة، فقدم اسرائيل كضحية، واعتبر الشعب الفلسطيني المناضل من أجل انتزاع حقوقه وحريته والمدافع عن أرضه وكرامته مصدر التهديد لإسرائيل، فأقرعنا بانتمائه العضوي للصهيونية العنصرية، غير عابئ بتبعات هذا الاقرار.
لا نريد عقد مقارنات، فاسرائيل منظومة لا تشبهها دولة في العالم من حيث الشكل والمضمون، ولا من حيث التكوين والتشكيل، فلكل دولة في العالم جذور تاريخية، حضارية إلا اسرائيل، ولكل دولة في العالم سجل يبين مساهماتها في نشر وتعميم ثقافة السلام والمبادئ الانسانية، إلا اسرائيل الفريدة في تطبيقات الحروب والعدوان والمجازر وقتل الأبرياء وتدمير الأحياء والقرى والمدن، اسرائيل الدولة الوحيدة التي تفوح من برلمانها روائح تشريعات وقوانين الكراهية والتمييز والعنصرية، ولا نريد لأوكرانيا أن تشبهها اسرائيل، ونعتقد بيوم سيأتي ليحاسب شعب أوكرانيا زيلينسكي المخطئ في حساباته وسياساته وقراءاته وأفلامه المحروقة .
تمر على شعوب الدنيا أهوال ومصائب وحروب وكوارث ونكبات، لكن لكل شعب روايته وحقائقه لا يمكن لقوة في الدنيا محوها أو تزييفها، ما يعني أن ما حدث وما يحدث للشعب الفلسطيني لا تجوز مقارنته بما حدث ويحدث لأي شعب في العالم وتحديدًا خلال المئة عام الماضية، فهنا مخطط إبادة وتهجير وتفريغ أرض من شعبها بقوة آلة الحرب والدمار، ونحن على يقين أن زيلينسكي يعلم جيدًا أن المشروع الصهيوني مشروع ابادة وافناء وتهجير لشعب فلسطين من أرض وطنه التاريخي، وهو كصهيوني يعي ذلك ويفخر بأن غولدا مائير رئيسة حكومة في دولة هذا المشروع العنصري الاستعماري أوكرانيا أي أنها لا تربطها صلة بفلسطين أبدًا، إلا إذا أراد زيلينسكي رد الصراعات والقضايا في العالم إلى أسس دينية، ونظنه في هذا التوجه سيخسر أيضًا.
لا نريد لشعوب العالم والدول إلا الاستقرار والتقدم والتنعم بالازدهار والسلام.. لأننا أكثر شعوب الأرض تطلعاً لهذا، لكننا رغم رغبتنا الشديدة بعدم التدخل في صراعات إقليمية أو دولية، فاننا لا نقبل من أحد في هذا العالم نكران حقنا التاريخي في وطننا فلسطين، ونضالنا المشروع في القانون الدولي من أجل تمرير اجندته السياسية أو خدمة مشاريع دول يخدمها طواعية، فزيلينسكي يعلم أن منظومة العنصرية والاحتلال والاستيطان والجريمة ضد الإنسانية ليس لديها ما تمنحه للشعوب المتطلعة للحرية والاستقلال، وعليه أن يعلم أن الجحيم لا تنضح ماء.


*المصدر: الحياة الجديدة*