انطلقت حركة فتح في مطلع عام 1965، وأطلقت معها الثورة الفلسطينية المعاصرة، لقد منحها شعبها الفلسطيني كل جرعات الأمل والتأييد، بل إن المنتمين، أعطوا تفسيرات عديدة لحروفها الثلاثة التي يتكون منها اسمها الجميل، فقال بعضهم أن "ف.ت.ح" تعني: فلسطين تحرر حرباً"، وقال آخرون إن فتح تعني حركة تحرير فلسطين، وقال طرف ثالث من المفسرين إن فتح تعني حتف، أي الموت الصاخب، ولكن المعنى الرئيسي الذي وصل للفلسطينيين في أرض الوطن وفي اغترابهم الواسع أن الفلسطينيين قد عادوا الحضور، هم الطرف الأول في قضيتهم، صحيح أنه بعد نكبتهم التي حلت بهم عام 1948، بعد أن وصل التواطؤ ذروته من الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية، قد حاول بكل خبث العدوان، أن يطلق عليهم أسماء جديدة مثل العرب الإسرائيليين، سكان الخط الأخضر، اللاجئين الذين لا أحد يتحمل مسؤوليتهم، لا عرب، ولا مسلمون، لا أدعياء الديمقراطية، ولا عشاق الفاشية والعنصرية، بل إن بعضهم صفق بيديه قائلاً إنه لم يعد شيئاً أفضل مما كان، وقال آخرون بحزن، أحسن شيء أن ننشئ لهم وكالة خاصة بهم، تصرف لهم بعض الطعام انتظاراً لانقراضهم، فأنشأوا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
لكن فتح بكل أسمائها الحسنى قالت لهم، يا هؤلاء، ويا أولئك، اعتباراً من اليوم أنا سأقرر، سأكون صاحبة القول الحاسم، وصاحبة القرار الأخير.
لم تكن انطلاقة فتح وانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة سهلة بأي مقياس، فلقد كانت الحسابات لدى الخلية الأولى لفتح التي تحملت مسؤولية الانطلاقة ليست سهلة، بل كانت أصعب من الصعوبة، كانت الحوارات واللقاءات حول هذا الموضوع قد بدأت في أواسط الخمسينيات، وزادها صعوبة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة في عام 1956 حتى ما عرف أنذاك بالعدوان الثلاثي الإنجليزي الفرنسي الإسرائيلي الذي فضل في مضمونه وأدى إلى انسحاب إسرائيل من قطاع غزة الفلسطيني الذي كان بدأ من قبل الإدارة المصرية.
ولكن فترة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع في ذلك الوقت، والاستجابات المقاومة التي صدرت عن الفلسطينيين، وقراءة الموقف الدولي بعمق، خلقت شيئاً فلسطينياً يظل يمور في الأعماق بأشكال متعددة المستويات أهمها أن الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية، ليس محتماً أن تكونا على وفاق دائماً، وأن الحل لهذه القضية الكبرى، قضية فلسطين لن يبقى رهينة لتحالف الصهيونية المسيحية مع الصهيونية اليهودية، وأن أي افتراق بين الحلبتين مهما كان صغيراً سيكون لصالح القضية الفلسطينية. "شعبها الفلسطيني مادام جاهزاً وفاعل الحضور في المنطقة، وكان انطلاق حركة فتح وبعد الانطلاقة بعامين ونصف العام جاءت حرب عام 1967، وهي القفزة الإسرائيلية الثانية، وبعد هذه الحرب بأقل من تسعة أشهر جاءت معركة الكرامة التي تحتفي بذكراها الرابعة والخمسين وقعت معركة الكرامة، وهي أول حرب سجلتها فتح باسمها، وسجلت باسم فلسطين، وظن البعض أن فلسطين قد ذهبت إلى الأبد، خير دليل على أن التاريخ الإنساني محايد تماماً، وأن هذا التاريخ لن يتجاهل الحاضرين بكل معاني الحضور، والقادرين بكل مستويات القدرة، لاحظوا أن الشعب الفلسطيني رغم مرارات وصعوبات قضيته، لم ولن يصبح عبئاً من طرف واحد، لقد حاول المطبعون القدامى أن يخنقوه في رمال مخيماته، وأن يواصلوا حياتهم الذليلة السعيدة، ولكنهم فشلوا، وأصبح هو الفخر الذي يتمسحون به، ولن ننسا طبعًا في هذا السياق نشاما الأردن في هذه المعركة المجيدة .
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها