أخطر ما قد تواجهه مجتمعات الشعوب المهددة جذورها الحضارية والوطنية بالاقتلاع والاجتثاث هو الحت الخارجي المبرمج، والنخر والتآكل الداخلي المقصود، وكذلك المتحرك بقوة دفع الجهل بمعاني الانتماء للوطن أي للأرض والشعب.
رغم قوة وتركيز الحت الخارجي الممنهج المسلط علينا من مراكز استخبارات مشروع الاحتلال الاستيطاني العنصري الإسرائيلي إلا أننا مازلنا صامدين، نقاوم بسلاح الانتماء، والثقافة الوطنية، ونواجه التخلف والظلامية والموروث الجاهلي بقيم ومبادئ التحرر والحرية والمساواة والعدل، واستطعنا إضعاف تأثير حملة المشروع الصهيوني على الشخصية الوطنية الفلسطينية الفردية والجمعية، لكن الخطر مازال داهمًا، حتى وإن بدت لنا عوامل الحت الخارجي هادئة أو ساكنة نوعًا ما، ذلك أن ما يقلقنا الخطر الأعظم الكامن في المفاهيم السائدة لدى نسبة كبيرة من مجتمعنا، وفي نمط تعامل الفرد وشرائح مجتمعية مع أحداث، أو ملفات اجتماعية وثقافية وحتى اقتصادية وسياسية، ومع القضايا الدائمة أو المستجدة الطارئة، فنحن نواجه معضلات ومشاكل في رؤية أفراد وجماعات مؤطرة سياسيًا أو اجتماعيًا نحو أي قضية، وكيفية النقاش فيها، كما نواجه مشكلة التسرع في إطلاق الأحكام، على قضايا أو مواضيع، والتعميم بدل التخصيص، فتمر جريمة نخر قواعد وأساسات وركائز مقومات الشعب تحت سمعنا وبصرنا وحواسنا، دونما إدراك أن ما يحدث عملية تدمير ذاتي بتنا على يقين أن سلطة الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة استخباراتها المتعددة، تستعمل أدوات مؤثرة من قلب مجتمعنا لمهمة النخر والتآكل باتجاهات أفقية وعمودية، أي باتجاهات فئوية عشائرية عائلية، وجهوية كما تفعل الآن بتعميم منطق الشعب الغزي، والغزيين، أو طائفية، أو تحميل مجتمع مدينة أو قرية أو منطقة أو حي ما المسؤولية عن أعمال سلبية ارتكبها فرد واحد، أو بضعة أشخاص.
لحظات عصيبة وخطيرة، تمر علينا ونحن نقرأ ونشاهد ونتابع البعض وهم يرسمون علامات استفهام معدومة المنطق والمبررات، ويطلقون اتهامات بالجملة على مدينة بيت لحم ومجتمعها بالذات، فيصنعون "من الحبة قبة" كما يقال في المثل الشعبي، ويحاولون عبر إيحاءات أو إشارات، أو اتهامات مباشرة، وباستخدام مصطلحات مشتقة من قاموس الشيطان الرجيم يطلقونها في كل اتجاه بواسطة سلاح فتاك جردوه من اسمه ومعناه وهدفه الأصلي والحقيقي، حتى صارت تسمى (وسائل التدمير الاجتماعي)، فهؤلاء يرتكبون جريمة إحراق النسيج الاجتماعي المقصودة والمبيتة تحت إشراف أجهزة استخبارات الاحتلال الإسرائيلي، ويبررون جريمتهم بأنها ردة فعل على حدث ما، أو موقف من إنتاج فني ما، أو اجتماع أو حفل أو تجمع، فإذا بنا أمام قضية يخلطون فيها الديني مع السياسي مع الثقافي مع الاجتماعي القيمي، مع العادات والتقاليد، بطريقة تبدو للمتلقي العادي أن مصيبة قد حصلت في البلاد جراء الموضوع، المبثوث والمضخوخ في وسائلهم التدميرية كطوفان، رغم أن الجهات المختصة الرسمية أو المعنية قادرة على معالجة تداعيات الموضوع وشرح التفاصيل والحيثيات بكل موضوعية ومصداقية، وبما من شأنه الحفاظ على الانسجام مع نصوص القانون.
لا يجوز إغفال الحملة على بيت لحم بين الحين والآخر، فإن كان رؤوس المشروع الصهيوني يستهدفون المقدسات في القدس، وبيوتنا العتيقة ووجودنا فيها، فإن مهد المسيح (بيت لحم) مستهدف أيضًا، أما الهدف الأول والأخير لأجهزة استخبارات منظومة الاحتلال العنصري الإسرائيلي، فهو جر الشعب الفلسطيني إلى دائرة فتنة كالتي نشهد لهيب نيرانها في أقطار عربية مجاورة.. فلنحذر، وعلينا إطفاء أي شرارة بوعينا الوطني، وعدم منح المجرم الأوكسجين لإشعال الفتنة.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها