عنان شحادة 


بعد اليوم... ستفتقد أسرة المواطن رزق صلاح من بلدة الخضر جنوب بيت لحم، تلك الجلبة والضجة والحركات الحيوية وأحيانا الصراخ التي كانت تصاحب حضور ابنها محمد (14 عاما) ودخوله المنزل.
تُركت حقيبته المدرسة بكل ما تحوي، هدأت كتبه التي أحبها، وفرغ مقعده في الصف السابع، سيتذكره زملاؤه الأطفال وأولئك المشاغبين الذين كانوا يزرعون الحياة بحركاتهم في أحياء البلدة وباحات المدرسة.
وفي كل مرة يغتال الاحتلال طفلا، نبدأ بتكرار أنفسنا نحن الكتاب والمشاهدين والقارئين، ونتذكر مناقبهم ونبكي على طفولة مسلوبة وحياة معرضة للتوقف في أي لحظة، ونعيد مطالبنا لهذا العالم بضرورة حماية ابناء شعبنا من هذا الاحتلال المجرم.
خلال أسبوع ارتقى شهيدان بمحافظتي رام الله وبيت لحم، ضمن مسلسل العدوان الإسرائيلي الوحشي المتواصل بحق أبناء شعبنا، هذا المسلسل الذي لا يمكن أن ينتهي ما دام العالم يدير ظهره لما يجري وتمر الجرائم دون عقاب لمرتكبيها.
الشهيد الطفل صلاح، ارتقى مساء أمس برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال مواجهات اندلعت في البلدة، وقد جرى إعدامه بعد إصابته بجروح خطيرة واعتقاله، وتم منع  طواقم إسعاف الهلال الأحمر من الوصول إليه.
بكلمات مؤثرة تحدّث والده عن نجله الشهيد، المعروف بـ"حمودة" بالقول "كان بإمكان جنود الاحتلال اعتقاله دون أن يطلقوا عليه الرصاص، فقد أعدموه بدم بارد، فهل كان يشكل خطرا على حياتهم؟ حسبنا الله ونعم الوكيل".
ويضيف" سمعت ابن شقيقي الأكبر يقول بصوت عال "حمودة " أصيب، فتوجهت على الفور إلى منطقة "أم السمن"، التي لا تبعد كثيرا عن منزلي، حيث كانت المواجهات، لأكون قريبا منه، ولكنني لم أتمكن من مساعدته، فقد وقفت عاجزا أمام الجنود المدججين بالأسلحة، الذين منعوني وهددوني بإطلاق الرصاص، فابتعدت خوفا على حياة الآخرين الذي كانوا برفقتي".  
" كنت متوقع في أي لحظة أن يأتي خبر استشهاد ابني، والحمد لله على كل شيء فقد نال الشهادة، حمودة راح".  
استشهاد صلاح يأتي بنفس سيناريو الجريمة التي ارتكبها الاحتلال بحق الشهيد الطفل أمجد أبو سلطان في الخامس عشر من شهر تشرين أول/ أكتوبر من العام 2021، حيث كان أعزلا في منطقة قريبة من الجدار في مدينة بيت جالا، ومن نقطة الصفر أطلق عليه الرصاص.  
ويتابع "ابني ليس ابن عيشه أنا قلتها لأمه منذ سنوات، فقد كان شقي، كثير الحركة، تعرض لحوادث عدة كادت ان تفتك بحياته، منها عندما سقط بعد تشييع جثمان الشهيد زكريا عيسى في العام 2012، وأصيب في عينه اليمنى، وفقد جزء من البصر فيها، وحوادث أخرى".  
فالمكان الذي استشهد فيه صلاح يشكل كابوسا في حياة المواطنين وخاصة الأطفال والفتية والشبان في بلدة الخضر، لقربة من الجدار، وكذلك تعرض عدد منهم لإصابات بالرصاص خلفت لهم إعاقات دائمة، كما حدث مع الطفل محمود حسين صلاح (14 عاما) قبل ثلاث سنوات، حيث بترت قدمه خلال مواجهات في بلدة الخضر، وآخرين.  
شقيقه الأكبر والوحيد صلاح (19 عاما) وهو أسير محرر، يقلب صور الشهيد بجهازه الخلوي، ويبكي بحسرة، ويقول "منذ شهر لم اجتمع معه، فقد كنت اضطر الى المبيت في مكان عملي داخل أراضي عام 1948، وآخر لقاء معه قمت بتصوير مقطع لفيديو وأنا احمله على أكتافي، ثم أجهش بالبكاء، وأضاف" بقيت وحيدا دون أخ اتكئ عليه مستقبلا.  
فيديوهات وصور، تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر الطفل ملقى على الأرض، وجنود الاحتلال ينزعون ثيابه عنه ويبقى عاريا، قبل تغطيته بكيس أسود، واعتقاله.  
والدة الشهيد ولصعوبة موقفها لم نتمكن من مقابلتها، ويقول زوجها" لم تتمالك نفسها فقد خرجت سريعا دون انتظار أحد إلى المكان، ولم تجد إلا دماء ابنها المتناثرة في المكان، فعادت بسترته الحمراء، المضرجة بدمه".
وبحسرة كبيرة أكد والده أن معاناتهم وعذاباتهم ستكون قاسية إذا لم يتم تسليم جثمانه، سنعيش حالة من الترقب والانتظار، هذه سياسة المحتل يتلذذ بعذابات الأهالي، لكن لم نستكِن، حتى الآن لا توجد معلومات أكيده حول تسليمه.  
مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عايد أبو قطيش يقول : إن الحركة وثقت خلال العام 2021، استشهاد 78 طفلا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، 17 منهم في الضفة الغربية بما فيها القدس، و61 في قطاع غزة، (منهم 60 طفلا استشهدوا خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع الذي استمر لمدة 11 يوما، إضافة لطفل بعد العدوان الإسرائيلي).  
وأضاف قطيش "إن العام الجاري شهد استشهاد طفلين في الخضر والآخر في جنين، عدا عن اعتقال الأطفال ومحاكمتهم بمعدل سنوي 700 طفل.