يقف الستيني أحمد ربيع أمام الكشك الخاص به وهو يندب حظه الذي آل إليه بعدما سمع عن الإجراءات الجديدة لبلدية غزة التابعة لسلطة الأمر الواقع "حماس"، التي صدرت الاثنين الماضي، والقاضية بإرجاع الأكشاك البحرية على "كورنيش" مدينة غزة نحو 10 أمتار إلى الناحية الغربية تجاه البحر.

قرار أثار غضب وامتعاض أصحاب الأكشاك الذين اشتكوا تبعات القرار كونه يُحاربهم في قوت يومهم الذي بالكاد يحصلون عليه، وكأن الظروف الاقتصادية التي يعانونها ليست كافية في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في القطاع.

المواطن ربيع الذي يعيل عائلة تتكون من 18 فردًا، يحتار من أين يبدأ قصته وكيف ينهيها فبلدية غزة لم تترك له خيارًا آخر سوى الشكوى بمرارة.

يقول: "نحن كأصحاب أكشاك ضد هذا القرار، إلا إذا سمحوا لنا بالاستفادة من مكان أسفل الكشك باتجاه البحر، وإلا فلن يمر هذا القرار خاصة وأننا علمنا بأن هناك قرارًا يقضي بأن تصبح الأكشاك بجانب بعضها البعض دون ترك مسافة ودون السماح بمكان يجلس فيه الزبائن لتناول المشروبات وهو المكان الذي يعني لنا نوعًا من الربح، وهنا تكمن المشكلة".

ويضيف: "الهدف من القرار إيجاد مستثمر آخر يدفع أكثر للبلدية، بينما ستهدم أكشاكنا ويتم إرجاعها إلى الخلف بعيدًا عن الشارع والمارة، وهو أمر كارثي آخر فنحن نعوّل على المارة من الزبائن".

وعلى بعد أمتار يجلس حسام أبو سمعان (27 عامًا)، صاحب كشك آخر، يفرك هو الآخر يدًا بيد عله يستوعب هذا القرار، ويقول: "الأمر ضار جدًا لنا فهذا الكشك مثلًا يعيل أربع أسر وكل عامل فيه يحصل في أحسن الأحوال على 25 شيقلًا، بينما أنا صاحب الكشك أحيانًا أحصل على 15 شيقلًا أو 10 فقط طوال اليوم".

ويتساءل: نحن ندفع أموالاً طائلة للبلدية من ترخيص وغيره فكيف سنقوم بتحصيل ما ندفع إذا أبعدونا عن الشارع؟! نحن بصدد القيام بحملة ضد ما يحدث بعنوان "نحن شباب غزة حاربنا الفقر والبطالة لكن هناك (حماس) من أتى ليحاربنا في لقمة عيشنا".

ويدفع صاحب الكشك الواحد للبلدية في غزة مبلغ 2500 دولار سنويًا مقابل السماح لصاحب الكشك أن يبيع فيه، فهل يستطيع صاحب الكشك تعويض هذا المبلغ من مبيعات الكشك؟ وينهي أبو سمعان حديثه بالقول "هناك مستثمر يعجبه المكان ويريدون بيع المكان له كونه يدفع أكثر مما ندفع نحن".

ويقول آخر فضّل عدم ذكر اسمه (24 عامًا) من أصحاب الأكشاك "القرار سلبي جدًا بحقنا نحن أصحاب الأكشاك لأنهم يهدفون إلى تحويل أماكن الأكشاك إلى مكان عام، وبذلك تصبح الأكشاك في منطقة مهمشة بعيدة عن أعين المارة والزبائن المصطافين".

ويضيف: "هناك فرق بين أن يكون الكشك في الواجهة وأن يصبح في مكان مهمش، وهو الأمر الذي سيؤثر على عملنا وتحصيلنا اليومي".

ويكمل شكواه بالقول: "كنّا في البداية بسطات، ثم طلبوا منّا الترخيص والآن يريدون (بلدية حماس) أن يستغلوا المكان بشكل أكبر على حسابنا، يريدون أن يوسّعوا الرصيف وبالتالي سيصبح المكان مصفًا للسيارات والكشك سيرجع إلى الخلف بعيدًا عن الشارع، وهنّا لن يصبح لنا أي هامش ربح وسنضطر للإغلاق فكيف سنعيش؟".

يعيل هذا الكشك ثماني أسر ويحصل كل شريك يوميًا على عشرين شيقلًا فقط وأحيانًا عشرة شواقل.

وكانت بلدية غزة التابعة لحماس قد أصدرت في حزيران/يونيو 2020 قرارًا بإزالة كافة الأكشاك المقامة على طول بحر غزة، لتبني بدلاً منها أكشاكًا يتم ترخيصها بدفع 2500 دولار سنويًا للبلدية.

وفقًا للعقد المبرم بين البلدية وصاحب الكشك، فإن الكشك بعد ثلاث سنوات يصبح ملكًا للبلدية، وهنا يقول الحاج أحمد السكني (65 عامًا) أحد أصحاب الاكشاك المتضررين: "بعد 3 سنوات يصبح الكشك ملكًا لغيرك وليس لك إلا في حالة واحدة إذا كان هناك مستثمر ويريد الاستثمار في المكان، فهنا يخيّر صاحب الكشك بدفع ما تم الاتفاق عليه بين المستثمر والبلدية مع خصم 30 بالمئة من المبلغ المتفق عليه وإلا يؤخذ الكشك من صاحبه ويعطى لغيره".

ويضيف السكني: "هذه قرارات جديدة سيتم العمل بها لاحقًا في الأيام المقبلة، وتتذرع البلدية بأنها تبحث عن مظهر حضاري لغزة، لكن للأسف هذا ليس صحيحًا، وما يحدث لا علاقة له بالحضارة أو الترتيب بل للجباية فقط".

كما قررت البلدية عدم ترك مسافة بين الكشك والآخر وهو قرار كارثي آخر على أصحاب الأكشاك الذين يقولون: "كيف سنترزق إذا كنّا ملتصقين ببعضنا البعض!" (..) "المربح ضئيل جدًا ولا يمكننا دفع ثمن الترخيص، ونحن بذلك غير مستفيدين بل المستفيد الوحيد هي البلدية، فنحن لدينا مصاريف عمال وكهرباء وترخيص وسعر البضاعة وغيرها من الالتزامات الأخرى فكيف سنحصّلها!" يتدخل صاحب كشك آخر رفض ذكر اسمه بالقول "أحيانًا يأتي الزبون ولا يملك ثمن ما يطلبه فيطلب منّا مشروبا بالديْن".

ويضيف: "في حال لم ندفع الترخيص تحضر جرافات البلدية ويبدأوا بأوامر الإزالة ويتم الاعتداء علينا وتكسير الطاولات والكراسي في المكان والتخريب رغم الترخيص".

ويختم بالقول "في حال قرروا هدم هذا الكشك سأمكث في داخله وليهدموه على رأسي فهذا باب رزقي الوحيد الذي أعتاش منه ويعلم الله وحده كيف نتدبر قوت يومنا وقوت أطفالنا".

وتشير المصادر إلى أن عدد الأكشاك التي سيتم تأجيرها على طول الواجهة البحرية يتراوح بين 60 إلى 80 كشكًا.

وهكذا لم يعد المواطن في غزة يقوى على احتمال المزيد في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة منذ استولت "حماس" على قطاع غزة، والحصار الإسرائيلي الذي تلا هذا الاستيلاء بقوة السلاح.

ومن هذه المعاناة مشهد من الظلم اليومي يمارس على الملأ من قبل عناصر "شرطة" حماس، يتم فيه الاعتداء واستخدام القوة والهراوات في تنفيذ إجراءات صارمة ضد أصحاب الأكشاك والبسطات الذين يعانون الأمرّين في الحصول على دخل يغنيهم ذل السؤال.