أمضيت سنين طويلةً من حياتي وأنا أكتب عن الشباب تارةً، وأقود بعض الحراكات الشبابية تارةً أخرى، ولكنني اكتشفت مؤخراً أنني لم أفهم جيداً الواقع الشبابي في فلسطين. أو لنقل، لم أنجح في إيجاد صيغة نظرية – عملية قادرة على تعزيز المشاركة الشبابية، وتراعي في الوقت نفسه خصوصية الواقع الفلسطيني المعقد.

وفي الحقيقة، فإن هذا الفشل وقع به الكثيرون من الخبراء ونشطاء المجتمع المدني أيضاً، ويعود السبب في ذلك إلى السعي دائماً لتطبيق النماذج النظرية الغربية دون محاولة جادة لمواءمة هذه النماذج مع الخصوصية الفلسطينية. وفي السياق، فإن هذا الخطأ الشائع تقع به أيضاً - وربما بشكل مقصود- الكثير من منظمات التمويل الدولي التي تدعم القطاع الشبابي في فلسطين.

فجميع هذه القطاعات تعمد إلى النظر في كون الشباب فئةً مهمشةً في المجتمع الفلسطيني، باعتبار أن هذه الفئة تشكل أكبر الفئات المجتمعية إلا أنها أقلها في المشاركة في عملية صنع القرار. وبالنتيجة، تضع هذه القطاعات حلولا مبتورةً لتمكين الشباب مثل برامج التدريب والتمكين الاقتصادي وبرامج رفع الوعي والمهارات الحياتية. وتتناسى هذه القطاعات أن السبب الرئيس لتهميش الشباب الفلسطيني هو الاحتلال الإسرائيلي، وما يطرحه من إشكاليات حقيقية مباشرة وغير مباشرة تعيق تمكين الشباب.

وبدلاً من أن تمكن البرامج المطروحة تعزيز قدرة الشباب في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتخفيف الآثار المادية والنفسية التي يعاني منها الشباب بسبب الاحتلال، تطرح هذه الأطر المعرفية الغربية برامج تسعى لتغيير الثقافة المجتمعية التي تمتهن دور الشباب في بعض الحالات، أو أنها تجسد في حالات أخرى إشكاليات الشباب بضعف الإمكانات الاقتصادية وبطء ديناميكات المشاركة السياسية.

في الواقع الفلسطيني يبدو جلياً أن الشباب هم الفئة الأكثر مقاومة ضد الاحتلال، لذلك فهم بالنتيجة الفئة الأكثر محاربةً من قبله. وفي استطلاع غير منشور أُشرف على تحليل نتائجه النهائية، وجدت أن أكثر من  45% من الشباب الفلسطيني تعرض مباشرةً إلى شكل من أشكال الجرائم والانتهاكات الاسرائيلية مثل الاعتقال، والتفتيش، وقطع الطرق، ومنع الانتقال، والاعتداء والضرب وغيرها من أشكال التنكيل التي يواجهها شبابنا الفلسطيني. هذه النسبة الكبيرة من الشباب الفلسطيني التي تعرضت وتتعرض للتنكيل من قبل الآلة العسكرية الإسرائيلية وقطعان المستوطنين جعلتني أطلق على هذه السياسة الممنهجة مصطلح "اللاشبابية"، وأقصد بها العملية التي بموجبها يتم استهداف الشباب الفلسطيني من قبل قوات الاحتلال ومستوطنيه بغرض التنكيل بهم ومنعهم من مقاومته وإضعاف مقدراتهم النفسية والمادية. وفي إطار هذا التعريف نجد أن الشباب الفلسطيني هم الفئة الأكثر تهميشاً والأقل مشاركةً والأضعف موارد، ليس بسبب العلاقات البينية داخل المجتمع الفلسطيني، وإنما بسبب تنامي سياسة "اللاشبابية" التي تستخدمها دولة الاحتلال ضدهم.

وفي السياق، فإن ما أود طرحه في هذه المقال، هو التوصية أولاً:  بأن تكون برامج الحكومة وبرامج منظمات المجتمع المدني تجاه الشباب أكثر حساسية لتأثير الاحتلال السلبي على مكانة الشباب في المجتمع.

أما التوصية الثانية فهي أن يتم التوجه للمنظمات الدولية ذات الاختصاص مثل الجمعية العامة واليونسكو واليونسيف ومجلس حقوق الإنسان، وتحميل دولة الاحتلال "إسرائيل" مسؤولية تهميش الشباب في المجتمع الفلسطيني واستصدار قرارات أممية تعتبر الحركة الصهيونية حركة "لاشبابية" باعتبار ذلك مخالفاً للقرارات الدولية وأهمها قرار مجلس الأمن رقم 2250 وخطة التنمية المستدامة 2030.

المصدر: الحياة الجديدة