رحل سامي سرحان عن الدنيا بهدوء، ودون أي ضجيح،  بالطريقة  ذاتها التي عاش بها، كان الصبر والتحمل من أهم ما تميز به، يعمل من دون أن يشعر به أحد،  وأحيانا كان يبقى وحيدًا في جريدة فلسطين الثورة في بيروت بعد أن يغادر الجميع ليلاً ليتأكد أن صفحات الجريدة قد اكتملت وأصبحت جاهزة للطباعة. سامي في تلك المرحلة كان سكرتير تحرير الجريدة اليومية، وكان إبراهيم برهوم، الذي رحل عنا قبل خمس سنوات،  مدير تحرير المجلة الأسبوعية والتي تحمل الاسم نفسه فلسطين الثورة، وسامي وإبراهيم كانت تجمعهما صداقة مبنية على الاحترام بالرغم من أن شخصية كل منهما هي نقيض الأخرى من زاوية فكرية.

ولأنه في الغالب كان يشكل حلقة الوصل بين المحررين ورئيس التحرير أحمد عبد الرحمن، كان سامي سرحان يلعب دور الإطفائي، فعند نشوب أي مشكلة في الجريدة يعمل على امتصاص ثورة وتمرد الشباب من جهة،  ومن جهة أخرى يعمل على  امتصاص غضب أحمد عبد الرحمن، والحقيقة كان يتقن هذا الدور ويبقى ممسكا بالعصا من وسطها.  وأذكر وبالتأكيد  يتذكر كل من كان معنا من الزملاء عام 1980، وبسبب إجراءات إدارية غضب عدد من المحررين وأعلنوا الإضراب عن العمل، في تلك الأثناء كان أحمد عبد الرحمن في زيارة عمل لبريطانيا، لم يبق في مقر الجريدة إلا سامي سرحان ومعه محرر أو اثنان وبقي يعمل حتى ساعات الفجر كي يضمن صدور الجريدة كالمعتاد، فقد كانت المقولة السائدة "لا إضراب في الثورة"، وبقي على هذا المنوال ليومين أو ثلاثة يتحمل مسؤولية إصدار فلسطين الثورة. ولم يكتف سامي بتحمل المسؤولية المشار إليها بل بدأ بصبر بإقناع المضربين بالعودة إلى العمل قبل وصول أحمد عبد الرحمن من لندن وقبل أن يلتقي أحمد شخصيا بالمضربين كان سامي قد امتص غضبه.

وحتى في مرحلة قبرص، وبالرغم من أنه كان في قيادة الإعلام في تونس، واصل سامي سرحان دوره الحكيم كإطفائي إلى جانب دوره في إصدار المطبوعات والنشرات وبقي نائبا لمسؤول الإعلام الفلسطيني الموحد حتى عاد إلى الوطن عام 1994 وبدأ مسيرته مع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، التي أصبح رئيسا لها قبل أن يتقاعد عام 2006.

وخلال تحملي لمسؤولية الإعلام في المجلس التشريعي في الفترة من عام 1996 وحتى 2003 كان سامي مهتما بتجربة أول برلمان فلسطيني منتخب ديمقراطيا، لذلك كان يصر على أن يقوم هو شخصيا وليس أي مراسل في وكالة "وفا" بتغطية جلسات وفعاليات المجلس التشريعي، وفي أثناء ذلك كان يبقى معي في مكتبي لساعات طويلة وكنا صديقين مقربين تجمعنا التجربة الواحدة.

سامي شخصية مثابرة لم يتوقف يوما عن العمل، كان خلوقا دمثا حتى عندما تختلف معه بالرأي، ويقابل الغضب بابتسامة. لا أستطيع أن أتخيل سامي سرحان إلا وهو يجلس على مكتبه يعمل دون ملل، هكذا رأيته للمرة الأولى في مقر جريدة فلسطين الثورة في بيروت وهكذا واصل حياته.

الرحمة لروحك يا سامي 

المصدر: الحياة الجديدة