تدعي دول الغرب قاطبة وبالأخص أوروبا والولايات المتحدة أن نظمها السياسية والاجتماعية تستند إلى الأخلاق وفلسفتها كنشاط عقلاني ومعيار قيمي، وتفرد مساحة واسعة في برامجها الأكاديمية وخاصة لطلابها، لتدريس فلسفة الأخلاق منذ أرسطو حتى اليوم. تحث مناهجهم وكذلك قوانينهم على وضع الأخلاق في جوهرها، ولست هنا في وارد نقد الأخلاق الغربية، فهم برروا استعمار الشعوب وحتى العنصرية بجوانب أخلاقية، فالشعوب متخلفة والمنفعة التي تجنيها من الاستعمار كبيرة كما يزعمون، بينما الحقيقة هي أنهم، أي دول الغرب، أخذوا بالمنفعة التي يجنونها وفق منظري الأخلاق لديهم بدءًا من جيريمي بنثام وتلميذه جون ستيوارت ميل وصولاً إلى أخلاقيات الليبرالية المتوحشة، وكلهم يدعون أن سعادة البشر ورفاههم هي الغاية النهائية.

في التطبيق المعاصر شنت الولايات المتحدة، بصمت أو تواطؤ مخجل من حلفائها حروبا مدمرة، وأيدت وساعدت وما زالت آخر احتلال على وجه الأرض، وألقت بالأخلاق إلى سلة المهملات، بينما تفرض العقوبات على الدول والشعوب بحجة حقوق الإنسان وصيانتها، وكأن الفلسطيني ليس إنسانا وله حقوق يجب أن يحصل عليها، وأن دولة الاحتلال التي تنشب أنياب وحشيتها في جسده تجلب له المنفعة والسعادة.

لنتوقف من بين أساليب الاحتلال الوحشية أمام إضراب الأسير البطل هشام أبو هواش كنموذج. إنه يسعى للحصول على أبسط حقوقه في الحياة، ووسيلته القادر عليها هي الاضراب المستمر عن الطعام لأكثر من مئة وأربعين يومًا.

سعادته تكمن في حريته وحرية أبناء شعبه، فما هي المنفعة التي يمكن أن يحققها العدو من موته إن حصل، وأين تصنف هذه الوحشية الممارسة ضده في فكر الغرب الأخلاقي وفلسفته؟

لو أن آخر فعلها مثله في الولايات المتحدة وأوروبا أو أي مكان آخر، لسارعت دول الغرب في فرض العقوبات والإدانة والمطالبة بإطلاق السراح ولربما هددت أو استعملت القوة لإسقاط النظام الوحشي الذي يقوم بذلك، فأين هي معايير الغرب الأخلاقية وحديثها عن حقوق الانسان، أم أن للاحتلال وحشيته ترخيص خاص؟

إضراب هشام أبو هواش، نموذج للنضال والمواجهة ومقارعة العدو، وليس النموذج الوحيد أو المعتمد من الشعب الفلسطيني، الأساليب متنوعة تحددها الظروف والإمكانات المتاحة، ولكن عذابات خمسة عشر مليون فلسطيني في الوطن والشتات ستجد طريقها للتمظهر في أساليب مقاومة متنوعة، ستظل تتبدل وتتغير إلى أن يحصل هذا الشعب على حقوقه، مهما طال الزمن ومهما استعمل الاحتلال من أساليب وحشية، وأمام الولايات المتحدة والدول الأوروبية فرصة الادعاء أن الأخلاق هي التي تحركها بفعل بسيط على الطريق، الطلب من دولة الاحتلال الإفراج عن هشام وإلغاء الأحكام الإدارية.. فعل صغير قد يضع هذه الدول في أدنى سلم الدفاع عن حقوق الانسان.

هشام أبو هواش رمز سعي الإنسان لتحقيق سعادته: الحرية.

المصدر: الحياة الجديدة