في الذكرى الـ 45 ليوم الأرض يقف الفلسطينيون بكل تلاوينهم ومشاربهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية لتعظيم وتخليد هذا اليوم العظيم، ولتأكيد الانتماء للأرض والتاريخ والموروث الحضاري والثقافي، وللاعتزاز بكفاح الشعب على مدار حقب الماضي للدفاع عن هويته وفق معايير كل حقبة تاريخية بما يتواءم مع تطور قوى وعلاقات الإنتاج، وشروط العمليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وبالتالي ما نستحضره اليوم الـ30 من آذار/ مارس 2021 ليس سوى تجسيد لهذا الانتماء والوفاء للأرض/ الوطن، الذي لا وطن لنا سواه، ولن يكون لنا وطن سواه شاءت دولة المشروع الصهيوني أم أبت، قَبلْ الغرب الرأسمالي أم لم يقبل، استمر وجود الاستيطان الاستعماري سبعين عامًا أو أكثر قليلًا، ضموا وهودوا وصادروا الأرض هنا وهناك، حاولوا تغيير وتشويه وتزييف معالم القدس العاصمة الأبدية، كل ذلك لن يغير من معادلة الصراع التاريخي، وبالضرورة النصر للشعب العربي الفلسطيني، رغم كل النواقص والثغرات، والمآسي والإحباطات، والتراجعات والنكسات.

في يوم الأرض يجدد الشعب إعلان تمسكه وتجذره بفلسطين العربية المستقلة والسيدة. ويؤكد على أصالة روايته، وعمقها، وزيف رواية اللصوص الاستعماريين الصهاينة، مغتصبي الأرض بدعم من الغرب الاستعماري، التي لن تنطلي على أحد، حتى لو فبركوا واخترعوا تاريخًا وهميًا، لأنها لا تقبل القسمة على معطيات الأرض وهويتها وملامحها وما تختزنه من آثار على مر المراحل التاريخية السابقة، ويرفض التاريخ والمنطق والجغرافيا والموروث الحضاري قبولها مهما زوروا وافتروا على الحقائق والوقائع.

نحن الفلسطينيين أهل وأصحاب الأرض منذ وجد الإنسان الأول في أريحا قبل عشرة آلاف عام، قبل وجود الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية، كان الكنعانيون الفلسطينيون بناة الحضارة الأولى هنا، ولم تتمكن كل الغزوات اليونانية (الهيلينية)  والرومانية والفارسية والصليبية والفرنسيين والبريطانيين... إلخ من تغيير معالمها وهويتها. ومضى الغزاة مدحورين ومهزومين إلى دولهم ومن حيث جاءوا، وهذا هو مآل الغزوة الصهيونية، التي أوجدها الغرب الرأسمالي لخدمة مشروعه الاستعماري لتمزيق وحدة شعوب الأمة العربية ونهب خيراتها، والحؤول دون نهوضها وتحررها. لكن التاريخ كما يعلم الجميع، لا يسير بخط مستقيم، ولا يبقى أسيرًا لمنطق وهرطقات وأكاذيب الأعداء، ويمضي صعودًا مع كفاح الشعب الفلسطيني العربي الأصيل.

ومن يقرأ التاريخ الحديث والمعاصر لقادة دولة المشروع الصهيوني، يدرك انهم كل يوم يستيقظون على حلم مرعب، لأنهم يعلمون جيدًا جدًا، أن روايتهم ومصيرهم قائمان على الخديعة والنفاق والأكاذيب، والحقائق التي يسعون لترسيخها عبر عمليات التهويد والمصادرة والهدم والاستيلاء على العقارات والبيوت، وتغيير معالم وملامح المدن والقرى عموما والقدس العاصمة خصوصًا، وبناء المستعمرات والبؤر الاستيطانية الاستعمارية، وجلب المرتزقة من دول العالم، لن تغير من حقيقة واحدة، هي أن فلسطين العربية أرض ووطن الشعب العربي الفلسطيني المتجذر في أرضه، ولن تنفعهم كل الأدوات المأجورة والمهزومة من حثالات الفلسطينيين والعرب في قلب الحقائق التاريخية.

نعم المساومات مشروعة ومقبولة في التاريخ. بيد أنها مساومات مؤقتة ومرهونة بحركة وتحولات العمليات التاريخية. ويخطئ من يقرأ التاريخ في لحظة زمنية محددة، وكأنها ثابتة لا تتحرك، ووفقا للمقولة الفلسفية، فإن السكون نسبي، والحركة دائمة. وهذة الحركة وديمومة التطور والتحولات الكمية والكيفية تقود التاريخ في خطه الحلزوني الصاعد إلى مبتغاه وملاذاته، التي تتوافق مع تطلعات الشعب العربي الفلسطيني وشعوب الأمة العربية وقواها التحررية.

مؤكد اللوحة الماثلة الآن في مشهد الصراع الفلسطيني الصهيوني سوداء، وقاتمة، ومليئة بالغيوم الملبدة، وتشي بكم هائل من التعقيدات، ولكنها عابرة، كما الأعداء عابرون، وماضون إلى مصيرهم المحتوم. ومن يسأل شلومو ساند والآن بيبيه واري شابيط وجدعون ليفي وبن غوريون في قبره ونتنياهو في سدة الحكم وكل جنرالات جيش الموت الصهيوني، سيجيبوه على الحقيقة، حتى لو بقي بعضهم يروج ويصرخ باعلى صوته للبضاعة والرواية الفاسدة والمزورة.

يوم الأرض سيبقى يومًا خالدًا بخلود وبقاء وديمومة الشعب العربي الفلسطيني متجذرًا في ارض وطنه الأم، وسيمضي التاريخ قدمًا في خطه البياني الصاعد لإعادة الاعتبار لأصحاب الأرض والهوية الفلسطينية العربية، وسيعود الفلسطينيون لوطنهم شاء الصهاينة أم أبوا، شاءت أميركا الإمبراطورية الآيلة للسقوط أم أبت، وشاء المطبعون العرب أم أبوا.