لم يكن الإعلام الوطني الفلسطيني، المسمى الرسمي اليوم، خريج مدارس الليبرالية المستوردة، ولا مدارس الفكرة النخبوية، بتنظيراتها العاجية، ولا مدارس البلاغة الاستهلاكية، المحمولة على الشعار، والبيان الحزبي، وإنما هو إعلام التجربة العملية والواقعية، التي تخلقت في الدروب النضالية لحركة التحرر الوطني الفلسطينية، حتى صيرت الإعلام الوطني صوتًا لفلسطين ينقل روايتها بكل تفاصيلها إلى كل مكان، بلا إنشاءات، ولا تبجحات بلاغية، صوتًا تصدى لمهماته النضالية في سياقاتها المعرفية، والثقافية التنويرية، بمضامينها الوطنية، والقومية، والإنسانية، وبقدر ما تصدى الإعلام الوطني الرسمي لهذه المهمات، بمهنية لافتة، بقدر ما تمكن من الصياغة الإبداعية لرواية فلسطين وخطابها، في الصورة، والصوت، والنص السياسي، والتقريري الإخباري .

لا لفظية لغوية فيما ينتج الإعلام الوطني الرسمي الفلسطيني، وإنما هو الصوت المعرفي والتنويري، بمصداقية واقعيته المناهضة للخطب الاستهلاكية، وأحابيل المضامين المستوردة، التي تخادع الواقع، وتتعالى عليه بالتباهي الليبرالي الشكلي، وفبركات بعض المتثاقفين من خريجي القوالب البرغماتية الجاهزة الذين ما زالوا يلوكون عباراتهم القديمة التي تهاجم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لأنها قيادة متنفذة!!

الإعلام الرسمي الفلسطيني، في دروبه النضالية، هو إعلام التصدي والمواجهة لخطاب القوى المضادة لمشروع التحرر الوطني، ولأنه كذلك فإن محاولات التشكيك بمهنيته، ومضامينه ستظل هي محاولات هذه القوى، خاصة في مثل هذه المرحلة المقبلين فيها على الانتخابات المفصلية، وحيث ماكينات إعلامية شتى تعمل اليوم على بث الشائعات، والمزور من الأنباء، في فضاء الرأي العام الفلسطيني، بهدف بلبلته، وتعميم فوضى القول بين أوساطه، ولغاية تشتيت أصواته الانتخابية، في سبيل النيل من قائمة المشروع الوطني الواحدة والموحدة!!!

ليست مضامين أي خطاب إعلامي فلسطيني، ذات قيمة، ما لم تكن هي مضامين  خطاب فلسطين التحرري، المضامين التي تحرض على الاستقلال والحرية، وتدعو للعدالة، والمساواة، والكرامة الوطنية، والإنسانية، التي تظل ممكنة في مساراتها  الديمقراطية،  بلا بلاغات لغوية، وشعارات مخادعة، وشكليات ليبرالية!! وهذه هي مضامين إعلامنا الوطني، التي ينطوي عليها خطابه المنوع في جملته المعرفية والتعبوية، دون تزييف للكلمة ومعناها، وبلا أي تحايل على الواقع ومعظلاته .