أطلق الشاب المتديّن، ذو الابتسامة الوقحة، يغئال عمير ثلاث رصاصات فقتلت الأولى اسحاق رابين، وقتلت الثّانية مسيرة السّلام بين إسرائيل والشّعب الفلسطينيّ، وقتلت الثّالثة اليسار الصّهيونيّ الذي أقام الدّولة وكان ممثّلًا يومئذ بـ 56 نائبًا في الكنيست منهم 44 نائبًا لحزب العمل و12 نائبًا لحزب ميرتس وأمّا اليوم فزعيم حزب العمل، عمير بيرتس، حلق شاربيه وقرأ "كاديش" على جثمان الحزب، وكاديش صلاة يهوديّة يقرأونها على الميّت عند دفنه. وأمّا حزب ميرتس فهو في غرفة العناية المكثفة.

أنار السّائق غمّازة السيّارة اليمنى منذ ذلك الحدث الكبير، وقادها مدعومًا من حزب الليكود والمستوطنين وحزب "إسرائيل بيتنا" والأحزاب الدينيّة المتزمتة. وغزا اليمين السّياسيّ المجتمع الإسرائيليّ منطلقًا من اليهود الشّرقيين ومن بلدات الضّواحي ثم دخل المدن الكبرى بشراسة وسيطر على المجتمع الاسرائيليّ وهكذا صار هذا المجتمع بغالبيته العظمى يمينيًّا. وفي فترة حكم نتنياهو، وبدعم منه سيطر ذوو القبّعات الصّغيرة "الكيباه" على أجهزة الأمن والجيش والمخابرات والشّرطة، وعلى وسائل الإعلام، التّلفزيون والرّاديو والصّحف، ورقيّة وإلكترونيّة، وعلى جهاز القضاء والمؤسّسات الماليّة كما تقلّص الفضاء الديمقراطيّ شيئًا فشيئًا حتى برزت ملامح حكم الفرد وملامح الابارتهايد في عدد من نواحي الحياة.

نجح نتنياهو واليمين بتغييب القضيّة الفلسطينيّة من المجتمع الاسرائيليّ وصار الحديث عن حل الدّولتين وهمًا بل أصبح كلّ سياسيّ يهوديّ يقترب منها يحرق أصابعه فبعد أن كان الصّراع الاسرائيليّ الفلسطينيّ يحتلّ حيّزًا كبيرًا في برامج الأحزاب والمعارك الانتخابيّة تلاشى في الجولات الأخيرة.

وغابت من القاموس كلمات مثل "الاحتلال" و"الدّولة الفلسطينيّة" و"السّلام" و"الأرض مقابل السّلام".

يقتل الجيش الإسرائيليّ أسبوعيًا الشّابّ الفلسطينيّ أو الطّفل أو المرأة أو الشّيخ ولا أحد في المجتمع الإسرائيليّ يحتجّ أو يسأل، اللهم إلا جدعون ليفي.

يقتحم الجنود في الليالي البيوت الفلسطينيّة ويرعبون الأطفال والنّساء ويعيثون بها خرابًا ولا أحد يحتجّ ولا أحد يسأل.

يعتدي المستوطنون على الفلّاحين الفلسطينيّين، أصحاب الأرض، ويتلفون مزروعاتهم ويقتلعون كرومهم بحماية الجنود ولا أحد يحتجّ ولا أحد يسأل.

وفي الوقت نفسه قامت قيامة الإعلام وفئات عديدة من النّاس بعدما اكتشفوا أنّ مواطنًا يهوديًّا يعذّب كلبه!!

نجح نتنياهو في "تبهيم" المجتمع الاسرائيليّ مثلما نجح في تخويفه من عرفات وفتح والتّنظيم ثم من حماس وحزب الله، ثم من إيران. وكان وما زال يخوّفه دائمًا من العرب.

يحتقر معظم المجتمع الإسرائيلي كلّ ما يمت للعرب بصلة ولا فرق جوهريًّا في نظرة الأحزاب الاسرائيليّة للعرب من حزب "يمينا" الصّاعد حتى الرّجل المريض.

من المضحك المبكي أنّ المعارضة تبحث عن التّغيير منذ سنوات ولا تدرك أن التغيير لا يأتي بسبب سيجار أو زجاجة شمبانيا.

تنتظر المعارضة مخلّصًا شريطة أن يكون جنرالًا والأفضل أن يكون رئيس أركان سابقًا للجيش.

جاء الجنرالات براك وموفاز ويعلون واشكنازي وغانتس وفشلوا وازدادت  الأمور سوءاً.

وينتظرون في هذه الأيّام الجنرال غادي ايزنكوت. يقول المثل القرويّ: "مطرح ما عملها شنقوه".

ويغئال عمير يبتسم بوقاحة!