صادف يوم الخميس الماضي يوم المعاق العالمي، وكنت دونت بوستًا على موقعي في تويتر وفيسبوك حول ضرورة وأهمية اليوم لجهة الاهتمام بقضية شريحة هامة من بني الإنسان عمومًا، وفي فلسطين خصوصًا، لا سيما أن ذوي الاحتياجات الخاصة يتمتعون بالوعي والمعرفة، ولديهم ملكات إبداعية عالية، ووجود إعاقة في احد اعضاء الجسد، لا ينتقص من قيمة هذا الإنسان أو ذاك إن كان أنثى أو ذكرًا، وهؤلاء ليسوا عالة على المجتمع، إنما هم قطاع منتج، لا بل أكثر إنتاجية، لأنهم يشعرون بالرغبة في التفوق، لتقديم صورة مغايرة للصورة النمطية المتداولة في المجتمع عنهم، ولأنهم يرغبون في تعويض ذويهم بعض ما عانوا معهم طيلة فترات حياتهم السابقة، وللتأكيد لهم أنهم ليسوا عبئًا، وإنما طاقة منتجة.

كما أن المجتمع الفلسطيني خصوصًا، والمجتمعات البشرية، التي خضعت للاستعمار، أو شهدت حربًا أهلية، أو زجت بحرب خارجية، عانت جميعها من سقوط أعداد كبيرة من الجرحى، ونجم عنها اضطرار الأطباء لبتر أحد أعضاء الجسد لهذا الجريح أو ذاك، وألقي بهؤلاء إلى قائمة ذوي الاحتياجات الخاصة، وغالبيتهم من جيل الشباب، وهم بحاجة للعمل، والمشاركة في دورة الحياة أسوة بأبناء المجتمع جميعا، وبناء أسر جديدة في سن معين، وبالتالي على المجتمع عموما بشقيه العام والخاص تحمل المسؤولية كاملة تجاه هذه الشريحة الاجتماعية بغض النظر عن سبب وخلفية الإعاقة، إن كانت إعاقة طبيعية، أم ناتجة عن الحروب والمواجهات مع المستعمر، أو من حوادث السير، أو الناجمة عن الحرائق... إلخ

ولهذا تملي الضرورة إعطاء ذوي الاحتياجات الخاصة أهمية خاصة، وهذه ليست منة من الحكومة او الشركات والمؤسسات الخاصة، انما هي واجب، وايضا لأن هذه الشريحة ليست عبئًا على أحد، بل هم قيمة وقدرة إنتاجية عالية، ولا تقل كفاءتهم عن غيرهم من أبناء المجتمع، إن لم يكونوا الأكثر عطاء.

ولا يكفي ما تقوم به مؤسسات القطاعين العام والخاص، ولا ما تضمنه الدستور "النظام الأساسي" من مواد نظرية عن كيفية التعامل، والاهتمام بأبناء الشعب من ذوي الاحتياجات الخاصة، لأن هناك فرقا شاسعا بين المواقف النظرية والممارسة العملية، وعليه تملي المسؤولية الوطنية والأخلاقية والقانونية إقران القول بالفعل، والمزج الخلاق بين البعدين النظري والتنفيذي في الممارسة العملية، وهو ما يلزم جميع قطاعات العمل في المجتمع الشروع بالآتي: أولًا تفرض الضرورة التخلص من الأفكار النمطية السلبية عن ذوي الإعاقة الخاصة؛ ثانيًا لا يجوز تركهم جانبًا، على اعتبار أن الإعاقة تؤثر على إنتاجيتهم. هذا استنتاج بات يعلمه الجميع غير دقيق، ولا يمت للحقيقة بصلة؛ ثالثًا ترشيد الوعي المجتمعي تجاه ابنائه من اصحاب الاحتياجات الخاصة، والإرتقاء بمستوى الوعي العام، والأخذ بيد شريحة هامة ومناضلة من ابناء الشعب؛ رابعًا تعزيز الشراكة في تحمل المسؤولية المجتمعية بين الشركاء جميعا دون تصنيفات مرضية وسلبية جدًا، لا بل خطيرة في انعكاساتها على ذوي الاحتياجات الخاصة؛ خامسًا توفير كل الاحتياجات الضرورية لأصحاب الإعاقة ليتمكنوا من الإسهام بدورهم الريادي في بناء المجتمع؛ سادسًا تأمين وخلق المحفزات ذات الصلة بواقعهم الصحي؛ سابعًا تلبية احتياجاتهم العلمية الثقافية والطبية والسكنية وتأهيلهم للقيام بدورهم الإبداعي في بناء المجتمع .. إلخ

أهمية اليوم العالمي للمعاق تكمن في إنه يعيد الجميع إلى ناصية الاهتمام بهذه الشريحة الاجتماعية، مع أن الضرورة تلزم المجتمع بعدم انتظار يوم المعاق لإيلاء الأهمية لذوي الاحتياجات الخاصة، وإنما المتابعة الحثيثة واليومية ووفق خطة عمل عامة وقطاعية للنهوض بدور ومكانة هذة الفئة المعطاءة والمبدعة، ومنحهم حقوقهم المشروعة، التي كفلها لهم القانون الدولي والمجتمعي في الدول المختلفة.