لم يكن قرار قطع العلاقات مع إسرائيل وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرارًا عبثيًا ودونما أفق سياسي، أو كما وصفه البعض بأنه قفزة في الهواء، وإنما كان قرارًا عمليًا وغير مسبوق شكل مفصلًا استراتيجيًا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى نحو إعادة تشكيل علاقات هذا الصراع في سياق التصدي لسياسات إسرائيل أحادية الجانب، وخروقاتها الفادحة للاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولأجل إلزامها باحترام هذه الاتفاقيات، والعمل بها وفق غاياتها السياسية، وبإطاراتها القانونية، وقلنا يومها، وكان هذا واضحًا تمامًا إن قرار قطع العلاقات، قرار مكلف وهذا ما كان، سبعة أشهر من أزمة راحت تتفاقم على نحو خطير على مستويات مختلفة، ضاعفتها جائحة الكورونا وهي تخلف لنا أيامًا بالغة الصعوبة.
وبقدر ما كان قرار قطع العلاقات قرارًا مكلفًا، بقدر ما كان قرارًا للحظة الحقيقة التي تصدت لها فلسطين برؤية، وموقف، وشجاعة قائدها الرئيس أبو مازن، الذي لطالما كان حليفًا للحقيقة في مراحلها المختلفة، وما راوغ يومًا بشأنها، ولا حاول يوما تجاهلها، أو طمسها، وما زال على هذا الموقف وهذا الإدراك لواقعية الحقيقة وضرورة التعامل معها وفق ما تفرز من معطيات جديدة وهناك دائمًا معطيات جديدة للحقيقة في تجلياتها السياسية.
وطوال الشهور السبعة الماضية تعرضت القيادة الفلسطينية لشتى أنواع الضغوط والرئيس أبو مازن تلقى تهديدات منوعة، للنيل من موقفه الرافض لعلاقات غير متوازنة، وغير منتجة مع إسرائيل وإدارتها الراعية في الولايات المتحدة، وقبل ذلك موقفه الرافض لصفقة القرن، والذي جعل منها صفقة لا معنى لها، ولا قيمة ولا مصير سوى الهزيمة، وها هي اليوم والرئيس ترامب ذاهب بعد قليل إلى عزلته، قد باتت في ذمة التاريخ.
وطوال الشهور السبعة الماضية سجل شعبنا الفلسطيني ملحمة جديدة من ملاحم الصبر، والصمود، والمطاولة، فيما بدأت خطوات جديدة تمامًا نحو تفعيل أجدى للوحدة الوطنية، لأجل تحقيق أرقى أشكال الشراكة الوطنية، بإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة، وإجراء الانتخابات التشريعية، والرئاسية، لضمان إقرار خيارات صناديق الاقتراع، وما زالت هذه الخطوات في طريقها، وإن كان من الضرورة أن تكون قد أنجزت أهدافها قبل هذا اليوم ...!!
كل هذا يعني في المحصلة أن صمود شعبنا وقيادته الشرعية قد أثمر إنجازه المرحلي الكبير بالرسالة الإسرائيلية الخطية التي وصلت للقيادة الفلسطينية والتي أكدت فيها الحكومة الإسرائيلية التي يرأسها بنيامين نتنياهو- وهي أول رسالة من نوعها في عهده - التزامها بالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية والتي تعرف إسرائيل والعالم أجمع أن مرجعيتها هي الشرعية الدولية ولهذا بالطبع دلالاته السياسية وقواعده التفاوضية، وبناء عليه تعود العلاقات مع الجانب الإسرائيلي ولكنها تعود كما هو واضح على أسس واضحة، أساسها احترام الاتفاقيات الموقعة، وبالنسبة للعلاقات مع الإدارة الأميركية فإن القيادة الفلسطينية تنتظر موقف إدارة الرئيس المنتخب من الصراع العربي الإسرائيلي، وإذا ما اتخذت مواقف مخالفة لمواقف إدارة الرئيس ترامب، فإن التحرك الفلسطيني سيكون على أساس ذلك خلال الفترة المقبلة في أطر المجتمع الدولي الشرعية، وكانت برقية الرئيس أبو مازن التي هنأ فيها "جو بايدين" بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أكدت"تطلع فلسطين لتعزيز العلاقات الأميركية الفلسطينية،وتحقيق الحرية، والاستقلال، والعدالة، والكرامة لشعبنا الفلسطيني، وكذلك العمل من أجل السلام والاستقرار للجميع في منطقتنا والعالم".
وأخيرًا عودة العلاقات مع الجانب الإسرائيلي وفقًا لما أكده في رسالته الخطية، لا تعني وقف مسيرة تعزيز الوحدة الوطنية وبناء الشراكة الوطنية وتحقيق الانتخابات التشريعية والرئاسية، ومن يريد أن يراها كذلك، فإنه لا يريد لهذه المسيرة أن تتواصل !!
عودة العلاقات تعني في المحصلة أننا ندخل اليوم مرحلة جديدة من الصراع، على قاعدة الإنجاز الكبير الذي تحقق، والذي هو كما عبر عنه عضو مركزية فتح، حسين الشيخ، ثمرة صمود شعبنا، وقيادته، والموضوع كما أوضح وأكد أكبر من تنسيق أمني وسنرى ذلك بوضوح شديد في قادم الأيام وفلسطين تتقدم خطوة أخرى نحو إقامة دولتها المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية وبإنجاز الحل العادل لقضية اللاجئين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها