معركة صراع الإرادات بين الضحية والجلاد في فلسطين لم تتوقف يومًا منذ بدأ المشروع الكولونيالي الصهيوني يحط رحاله في فلسطين التاريخية منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى يوم الدنيا هذا، وحتى يزول الاستعمار عن الأرض الفلسطينية، ويتم إزالة آثار وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو ومؤتمر سان ريمو وكل المخططات الاستعمارية الغربية الرأسمالية.
من بين هذه المعارك البطولية الشجاعة، معركة أسير الحرية الشجاع ماهر الأخرس، الذي واجه بلطجة وغطرسة وعنصرية الجلاد الصهيوني ممثلاً بسلطات السجون الإسرائيلية بإرادة فولاذية عكست إرادة كل الشعب الفلسطيني، وحتى كل أبناء الأمة العربية الأحرار، ورفض الاستسلام للحكم الإداري العسكري عليه دون سبب يذكر، وتوجيه اتهامات باطلة دون أسانيد قانونية ضده. لذا قرر اللجوء لخوض معركة الأمعاء الخاوية في مواجهة آلة البطش والجريمة الصهيونية المنظمة، وواصل المعركة لـ 103 أيام حتى رضخت المحكمة الإسرائيلية لإرادة البطل ماهر الأخرس، ووافقت بعد رفضها أكثر من مرة الاستجابة لمحامي الدفاع عن جنرال الحرية، وافقت إذعانًا ورضوخًا، وليس مِنّة ولا كرم أخلاق، أو إقرارا بالقوانين والتشريعات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
نعم تم الاتفاق أن ينهي أسير الحرية ماهر إضرابه البطولي مقابل الإفراج عنه يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وعلى أن لا يعود للسجن خلال الفترة المتبقية، بل يتم علاجه في أحد المستشفيات حتى يوم الإفراج. وبذلك تكون معركة الإرادة بين الضحية والجلاد حسمت لصالح الضحية، لصالح الإرادة العظيمة، لصالح الحق الشخصي والوطني والإنساني، لصالح فرض العدالة النسبية على مغتصبي الأرض والحقوق السياسية والقانونية والثقافية والاجتماعية والبيئية.
نموذج الأسير الفارس ماهر الأخرس، هو نموذج الفلسطيني العربي القادر على حمل راية الحرية، المؤهل بتمريغ أنف المستعمرين الصهاينة في التراب، وهو بمعركته البطولية مع اخوانه وأقرانه المضربين عن الطعام من كل الفصائل للدفاع عن حقوقهم الشخصية والوطنية، يكونون عززوا معركة الحرية التي تخوضها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ما أسهم في خلق وتكريس حالة التكامل والتعاضد ما بين المعركة الفردية والجمعية الوطنية لفرض إرادة الشعب على الجلاد الصهيوني. وهي نموذج لكل المعارك الفلسطينية الشجاعة، التي تصب في بوتقة النضال التحرري العام.
وما حدث مع الأسير الأخرس المنتصر، يشكل حافزًا لتعميق الكفاح الفردي والجمعي الفلسطيني، والذي يفترض أن يتوج بتعميق النضال الشعبي الواسع والمنظم وفق رؤية وطنية متكاملة، وعلى أرضية برنامج الإجماع الوطني، التي حددتها قرارات المجلسين الوطني والمركزي في الدورة الـ23، وما أعقبها من خطوات تبنتها اللجنة التنفيذية واجتماع الرئيس محمود عباس مع الأمناء العامين في الثالث من أيلول/سبتمبر الماضي، والتي تحتاج إلى تعميق وتطوير لدفع عربة المصالحة الوطنية قدما للأمام، رغم العثرات والإرباكات من بعض القوى المتضررة من المصالحة والوحدة.
انتصار ماهر الأخرس، هو انتصار لنا جميعًا، لكل الشعب الفلسطيني، لكل مناضل قومي عربي ضد النهب والتبعية والاستغلال والتطبيع الاستسلامي مع المستعمرين الصهاينة، وانتصار لكل مناضل من مناضلي الحرية والسلام والعدالة الإنسانية، انتصار للشرائع والقوانين الدولية. ورغم أنها معركة فردية، بيد أنها جزء أصيل من معركة الكل الوطني الفلسطيني.
وبهذه المناسبة تملي الضرورة علي إعادة لفت الانتباه لأبطال الحرية في سجون الاستعمار الإسرائيلي لتطوير معاركهم المطلبية والسياسية والقانونية بشكل مشترك وفي كل السجون، وإذا كان ولا بد من معركة في هذا السجن أو ذاك، فلتكن بشكل جمعي وموحد، ولتتوقف المعارك الفردية أو الفصائلية، لأنها على أهميتها، تكون أعظم وأكثر مردودية ونجاحًا في تحقيق الأهداف المختلفة.
مبروك كبيرة للمناضل ماهر الأخرس وعائلته الكريمة وللحركة الأسيرة البطلة وللشعب الفلسطيني عمومًا.
ماهر الأخرس ينتصر
08-11-2020
مشاهدة: 173
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها