بعد نكسة عام 1967 عقد القادة العرب قمة الخرطوم، وارتبطت هذه القمة باللاءات الثلاث "لا مفاوضات لا صلح ولا اعتراف بإسرائيل" واللاءات لم تكن مجرد شعارات لفظية. إنما كانت تعبيرًا عن رفض الهزيمة ولأي محاولة للاستسلام، وهي تعبير أن إرادة الأمة لم تنكسر أمام إسرائيل وجيشها وآلتها العسكرية. كان ذلك في زمن فيه زعيم مثل عبد الناصر، زعيم يمتلك مشروعًا قوميًا، ولانه كذلك أعاد بناء قواته المسلحة ودخل مع إسرائيل في حرب استنزاف بهدف تغيير واقع الهزيمة وتعديل ميزان القوى.

ثمرة فكرة اللاءات الثلاث برزت في التضامن العربي الرائع الذي تجسد في حرب تشرين الأول/ اكتوبر 1973، سواء كان في أرض المعركة، أو في استخدام سلاح النفط كرافعة سياسية، وهي الخطوة التي دفع الملك فيصل ملك السعودية روحه من أجلها. مع الأسف عِقد هذا التضامن انفرط بسرعة، وهو أمر قاد في نهاية المطاف إلى إبرام مصر اتفاقية سلام منفردة، بالرغم من وجود فرصة خوض العرب معركة التفاوض موحدين، من دون السماح لإسرائيل الاستفراد بالدول العربية الواحدة بعد الأخرى.

لاءات الخرطوم. يريد بعض العرب مسحها من ذاكرة الأمة، فاليوم على ما يبدو لا أحد يتحدث عن إرادة الامة، ولا عن كرامتها، فما بالك عن وحدتها وحريتها واستقلال إرادتها. سلسلة اتفاقيات التطبيع ليس دليل صحة، أو أنه عصر السلام والتعاون، أنه دليل استسلام، دليل تخلي بعض العرب عن الأمة ووجودها ومكانتها ودورها، أنه زمن الهزيمة التي رفضت قمة الخرطوم القبول بها في حينه.

لقد قبل عرب التطبيع أن يحولهم ترامب إلى مغفلين، عندما وقعوا على اتفاقيات لم تكتب بعد، أو قبلوا بان يتحدث ترامب باسمهم، كما يريد دون أن يكون لهم حتى حق التعقيب. دعونا نسال هؤلاء المطبعين هل يصدقون فعلاً أن إسرائيل ستكون سندًا لهم في وقت المحنة الحقيقية، أو أنها ستساعد في تنمية بلادهم؟

ليروا ويتعلموا كيف رد نتتياهو على سؤال ترامب، خلال إعلان هذا الأخير عن الاتفاق مع السودان... هل يستطيع "جو النعسان" والمقصود المرشح الديمقراطي جو بايدن، بأن يحقق لإسرائيل سلامًا كما أحقق انا؟ أجاب نتنياهو بخبث نحن نقدر أي أميركي يحقق لنا السلام..!!

فبالرغم من كل ما عمله ترامب لإسرائيل، وهي اأمور لم يكن أي إسرائيلي يحلم بها، ومع ذلك رفض نتتياهو أن يعطيه دعمًا انتخابيًا، حتى ولو بكلمة واحدة، فجاء رده محايدًا، كي يحفظ خط الرجعة فيما لو فاز بايدن. بالمقابل وضع عرب التطبيع كل أوراقهم في جيب ترامب، وليس هذا وحسب وإنما وضعوا أنفسهم رهن اشارته والمقرر والمتحدث باسمهم وما عليهم إلا أن يقولوا.. حاضر سيدي!!!

ماذا يمكن أن نطلق على هؤلاء المطبعين بلا ثمن؟

أتذكر هنا نشيد الحلم العربي، وهو آخر عمل عربي مشترك فيه طعم المد القومي.. أين اصبح هذا النشيد؟ لعله في غرفة نوم نتنياهو، بعد أن اصبح امين سر بعض الحكام العرب. ولعل من المفيد ان نذكّر بمطلع النشيد، فالرهان على الشعوب لا على الحكام... لنقرأ معًا

"أجيال ورا أجيال..ح تعيش على حلمنا

واللي نقوله اليوم محسوب على عمرنا

جايز ظلام الليل يبعدنا يوم انما

يقدر شعاع النور يوصل لابعد سما

دا حلمنا طول عمرنا حضن يضمنا كلنا".