يعلم رئيس المكتب السياسي لحماس أننا في خضم التفكير في سبل وأدوات تعزيز وحدتنا الوطنية لمواجهة الحملة الاستعمارية الجديدة لترامب (صفقة القرن وخطة الضم) التي ينفذها مستخدمه على الأرض بنيامين نتنياهو لا نبحث عن المتهم وعن البريء في هذه اللحظات التاريخية الأشد خطرًا على مشروعنا الوطني ووجودنا وكياننا السياسي، فالخطر المحدق بشعبنا يدفعنا إلى التفكير بصدق وإخلاص أثناء البحث عن مكامن قوتنا وقدراتنا كشعب وتوحيدها، فنحن نفكر بعقلية وطنية انطلاقًا من عقيدتنا السياسية التي هي (الوحدة الوطنية) في إطار حركة تحرر وطنية (فتح)، وليس العكس، أي أننا لا نفكر بعقلية حزبية فئوية ونسخر الحالة الوطنية لصالحها، فهذا عار لم ترتكبه حركة فتح منذ نشأتها
إطلاقًا، وعليه كنا نأمل في غمرة مناخ التفاؤل الذي نعمل على تكريسه كواقع يقلب الحالة الفلسطينية رأسًا على عقب من حالة انقسام جيوسياسي الى وحدة نظام سياسي وجغرافي في دولة فلسطين، لكن الأخطر في كلام هنية قوله: "إن أوسلو ماتت بعد مقتل كل الموقعين عليها، رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، والرئيس ياسر عرفات". كلام خطير للغاية يدفعنا لسؤاله: هل استشهاد الرئيس ياسر عرفات الذي قتل بالسم وبتدبير من منظومة الاحتلال يعتبر عندكم عملية قتل متساوية مع عملية قتل اسحاق رابين؟! أم تراكم تصرحون الآن وتكشفون الآن عن شماتة من نوع ما من استشهاد الرئيس الرمز أبو عمار، وكل ذلك من أجل تسويق "شعوركم انكم مبررون"؟! حقًا إنكم في أزمة لأنكم تعلمون أن قاتل رابين قد اغتال اتفاقية أوسلو، وأن قاتل ابو عمار ظن بقدرته على اغتيال الروح والشخصية الوطنية الثورية الكفاحية لدى شعبنا، لكنه خسئ.
لا يحق لرئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بعد إقرار نائبه صالح العاروري (المكتوب) بفشل سياسة حركته في العمل المسلح والسياسة أي (في الحكم) الادعاء بأن الرئيس أبو مازن يبحث عن نهج جديد، وأن النهج الذي اتبعته حماس صحيح، فهذا أقل ما يقال فيه إنه تضليل لوعي المواطن الفلسطينيي، ومحاولة للالتفاف على ما تم الاتفاق عليه في الحوارات وبات (وثيقة مكتوبة) لا يستطيع أحد نكرانها، فاسماعيل هنية وبلسانه قد أشاد بمنهج ومواقف الرئيس أبو مازن في كلمته التي القاها في اجتماع امناء الفصائل، ويعلم رئيس المكتب السياسي لحماس أن البيان الختامي لمؤتمر أمناء الفصائل الذي وافقت عليه قيادة حماس وكل امناء الفصائل لم يخرج قيد شعرة عن برنامج منظمة التحرير الفلسطينية التي يعتبره الرئيس أبو مازن معيارًا للالتزام بالمشروع الوطني والثوابت الفلسطينية الوطنية، وكنا قد كتبنا في مقال يوم الأحد الماضي أن نائب هنية صالح العاروي قد أكد على أن لا خلاف على الرئيس ابو مازن ولا على منظمة التحرير الفلسطينية، ولا على قضية انجاز الاستقلال في دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فعن أي منهج يتحدث هنية فيما كل هذه البنود التي وافقت عليها حماس هي محور برنامج عمل الرئيس أبو مازن.
الحقيقة التي يجب على جماهير الشعب الفلسطيني ان تعرفها، أن قيادات وازنة في حماس قد فوجئت بصلابة وشجاعة الرئيس أبو مازن وقراراته التي ما تخيلوا يومًا أنه سيعلنها بلسانه على الملأً وقد صرح بعضهم بهذه الحقيقة أثناء اجتماعهم وحواراتهم مع قيادات في حركة فتح، لكن مواقف وقرارات الرئيس أبو مازن لم تكن مفاجئة لمن يعلم ويعرف ويدرك مكانة المصالح العليا للشعب الفلسطيني والقرار المستقل في عقل الرئيس، وأخلاقياته الوطنية كرئيس للشعب الفلسطيني، ونعتقد أن قادة حماس يعلمون جيدًا كيف وقف الرئيس أبو مازن بالمرصاد في الجمعية العامة للأمم المتحدة واستنفر كل ادواته الدبلوماسية لمنع تمرير قرار اميركي يوسم حماس بالإرهاب، فمنهج المسؤولية الوطنية لا علاقة له بالسياسة وتقلباتها ومشاكلها وقضاياها، وإنما فكر وسلوك متأصل لدى قادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، نعتقد أنه سر ديمومة هذه الحركة وقدرتها على البقاء قوية كمحور وعمود فقري لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية.
يعلم رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية جيدًا أن الرئيس أبو مازن لم يراهن إلا على الشعب الفلسطيني كقوة عظمى لا تقهر، ويعلم أيضًا أن رئيس الإدارة الأميركية دونالد ترامب هو الذي شعر بالإهانة الشخصية بسبب مواقف الرئيس أبو مازن الشجاعة ورفضه بيع حرية واستقلال الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية مقابل حفنة دولارات، وإن كان رئيس سياسة حماس قد نسي فإننا نذكره بما قاله ترامب في منتصف الشهر الماضي سبتمبر قبل توقيع اتفاقية التطبيع بين الإمارات ومنظومة الاحتلال الاستعماري الصهيوني العنصري إسرائيل إذ قال: "أوقفت الدعم المالي للفلسطينيين لأنهم لم يحترمونا". أما قوله عن قرار للجامعة العربية بتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية والتوصل لسلام مع إسرائيل، فهذا لا نراه إلا انتقاصًا من قيمة المنظمة التي أقرت حماس بوحدانية تمثيلها الشرعي للشعب الفلسطيني، وتطالب بإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني وإن كنا نخشى أن قوله يعكس شماتة بالمنظمة ودولة فلسطين لكنها مكتومة، متغافلاً عن أمر في غاية الأهمية أن الجامعة العربية تبحث الآن عمن يتولى رئاسة دورتها بعد تخلي فلسطين عن رئاستها الحالية، وبعد رفض ست دول عربية بعدها حسب الترتيب الأبجدي استلام رئاستها، ما يعني أن فلسطين كانت وستبقى محور العمل العربي والجامعة العربية حتى لو خرج بعض الحكام العرب على مبادئها وأهدافها، ففلسطين لعلم هنية قد وضعت الجامعة في أزمة، ومنعت تصدير أزمة الهبوط القيمي والأخلاقي لدى البعض الى فلسطين.
وأخيرًا لا بد من القول، إن التزامنا الأخلاقي بالتضحية من أجل الحفاظ على المشروع الوطني لا يعني السكوت أو غض الطرف عن محاولات بعض قيادات حماس حرف الحقائق والوقائع والأحداث واستخدامها كرافعة للأنا الحزبية المقيتة القاتلة، كما لا يمكننا الصمت والسكوت حين يخرقون فضاء الذاكرة الفلسطينية، ووعي المواطن الفلسطيني بادعاءات باطلة تفوح منها رائحة التشاؤم، كلما عقدنا العزم على المضي قدمًا بنقاط الاتفاق والنظر نحو آفاق المستقبل الذي نريده للشعب الفلسطيني، وترك نقاط الخلاف خلفنا، إلى حين تهيئة أجواء إيجابية تمكننا من تفكيك تعقيداتها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها