تقرير: د.رامي عيشه

برز مصطلح "التعليم عن بعد" بعدما دخل العالم في إجازة قسرية بسبب جائحة "كورونا"، وإنْ كان في السابق "التعليم عن بعد" يقتصر على تلامذة الجامعات، فإنّ العالم وجد نفسه مضطّراً لتبنّي هذا الخيار لجميع الفئات العمرية. حتى هذه اللحظة ليس هناك من تعريف محدد للتعليم عن بُعد، لكن الاختصاصيين أجمعوا أنه العملية التعليمية التي تتم من خلال الإنترنت ويمكن الوصول إليها من قبل الطلاب الذين يمتلكون جهاز كومبيوتر وإمكانية الاتصال بالإنترنت، ويختارون فيها البرامج التعليمية والنماذج التي تتناسب ونمط حياتهم.

في السابق كان التعليم عن بُعد يتم من خلال وسائل الإعلام الجماهيري المتاحة، وكان التلفزيون والإذاعة العنصرين الأساسيين في التعليم، لكن مع التطور التكنولوجي أُضيف إليها الإنترنت وأصبح التعليم عن بعد يعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا الحديثة. إزاء هذا الواقع وجد العديد من الطلاب أنفسهم غير قادرين على مواكبة العملية التعليمية الجديدة بسبب الأسعار الباهظة للإنترنت، وصعوبة امتلاك الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والحواسيب، مما خلق شرخاً كبيراً بين الطلاب في جميع أنحاء العالم، وأبرز عدم المساواة بين الطبقات الاجتماعية، وهو ما أعطى دفعاً لحملة تدعو إلى اعتبار الوصول الى الإنترنت حقاً من حقوق الإنسان.

وتُقدِّر الدراسات أن ملايين الطلاب حول العالم لا يمكنهم الوصول إلى الإنترنت بشكل دائم، إما لعدم توفره أو لعدم القدرة على تحمل نفقاته، ويقول الباحثون إن ما يقارب 750 مليون شخص لا يمكنهم الوصول الى الإنترنت من خلال الهاتف النقال إطلاقاً، في حين يعيش نحو 1.3 مليار شخص في بلدان توفر خدمات إنترنت خارج نطاق قدرة السكان على شرائها.

أما في العالم العربي، إثر إغلاق المدارس نتيجة لانتشار فيروس كوفيد-19، سارعت العديد من الدول العربية إلى تبني خيار التعليم عن بُعد بهدف إنقاذ العام الدراسي، لكنّ العملية التعليمية انتابتها عيوب كثيرة بسبب فشلها أصلاً في التعليم التقليدي القائم على الدراسة في الفصول. كما فتحت العديد من الدول العربية مواقع خاصة على الإنترنت تتيح للتلاميذ متابعة دراستهم عن بُعد، وأضافت إليها الاعتماد على برامج خاصة في القنوات والإذاعات الحكومية.

 

صعوبات التعليم عن بُعد في العالم

تواجه العديد من الطلاب في العالم صعوبات في التعليم عن بُعد، وتتجلى هذه الصعوبات من خلال عدم قدرة السكان للوصول إلى الإنترنت بسبب الأوضاع المعيشية وعدم قدرة العديد من العائلات على تأمين كلفة الاشتراك في الشبكة العنكبوتية. كما أن الاعتماد على وسائل الاتصال الجماهيري التقليدية (الراديو والتلفزيون) أثبتت فشلها بسبب عدم قدرتها على تحقيق التفاعل الحقيقي بين الطالب والمعلم، فضلاً عن المشكلات الأخرى في هيكلية التعليم في الدول العربية، والتي تقبع الغالبية العظمى منها في أسفل سلم مؤشرات التعليم الدولي.

أما دولياً، فتشير الإحصاءات إلى أن المانيا مصنّفة من أسوأ الدول الأوروبية من حيث قوة شبكة الإنترنت فيها، كما أن الكادر التعليمي غير مهيأ لاستخدام التكنولوجيا الحديثة، وهذا ما يضع ألمانيا في مقدمة الدول المتقدمة التي يعاني فيها الطلاب من اعتماد مناهج التعليم عن بُعد.

 

فشل الدول العربية في تقديم التعليم عن بُعد

بغض النظر عن انتشار الإنترنت في المدن الرئيسية في العديد من الدول العربية وتوافر القدرة لدى الطلاب في هذه المناطق للوصول إلى منافذ الإنترنت، إلاّ أن العديد من الدول العربية فشلت في تقديم التدريس عن بُعد على الرغم من بدء العمل بهذا النظام منذ أكثر من 10 سنوات في الدول الغربية.

وبسبب انتظار الدول العربية لجائحة كورونا لاعتماد هذا النمط التعليمي الجديد، كان لا بد أنْ يشوبه العراقيل والمعوقات خاصة مع عدم تهيئة البنية التحتية في كثير من الدول العربية لاستقبال هذا الكم الهائل من المستخدمين في ليلة وضحاها، مما أدّى إلى غياب التفاعل الحقيقي بين الطلاب والمعلمين بسبب الضعف في سرعة الإنترنت، يُضاف إليها عدم تهيئة الكادر التعليمي للتعامل مع أنظمة الإنترنت.

وما زاد الامور تعقيداً أن الإنترنت ازدهر في العالم العربي في السنوات العشر الأخيرة، بسبب تأخر العديد من الدول العربية في تقديمه إلى مواطنيها لأسباب عديدة منها السياسي والأمني، وهو ما جعل العديد من أهالي الطلاب غير قادرين على استخدام أجهزة الكومبيوتر والتعامل مع تطبيقاته المختلفة، وهذا ما شكّل حاجزاً جديداً أمام قدرة الطلاب الصغار تحديداً على الدخول في عالم التعليم عن بُعد.

 

مخاوف من اتساع الهوّة بين الفقراء والأغنياء في العالم العربي

يرى العديد من الباحثين أن انتشار التعليم عن بُعد بهذه الوتيرة قد يزيد من الهوّة والتفاوت الطبقي بين السكان في الدول العربية، فأبناء الطبقات الغنية كانت لديهم القدرة على توفير الأجهزة المطلوبة في عملية التعليم عن بُعد، كما كان باستطاعتهم الاستفادة من الدروس الخصوصية في منازلهم في الوقت الذي حُرم من ذلك أبناء الطبقات الفقيرة.

وبغض النظر عن قدرة الطلاب على الوصول إلى الإنترنت من عدمه والهوّة الطبقية بين الطلاب، تبقى المشكلة الأساسية في قدرة الطلاب الصغار على التعاطي مع هذا النوع من التعليم، فلعقود خلت اعتمدت المناهج التعليمية على التلقين المباشر والتكرار في تعليم الصغار بينما اليوم تغير هذا النمط كلياً، ليجد الأهالي أنفسهم أنهم المعلمين الأساسيين لأطفالهم.

وتشير إحصاءات الإسكوا إلى أن 138 دولة اتخذت قرارات بالإغلاق الجزئي أو التام للمدارس، ما يعني أن 1.37 مليار طالب تأثروا بهذا القرار، أي أنه من بين كل 4 طلاب تأثر 3 منهم بسبب هذه الإجراءات.

 

التعليم عن بعد تجربة فاشلة

إزاء هذه المعطيات المخيفة، يرى عدد من الباحثين أن التعليم عن بُعد سيثبت فشله عاجلاً أم آجلاً، وعليه لا بد للعالم أنْ يقرر ما إذا كان سيضحي بمئات الملايين من الطلاب الذين سيفشلون في المستقبل أم سيواجه الفيروس الذي هدّد البشرية، فينجو من ينجو ويموت من يموت.