فاجأ المؤتمر الصحفي المشترك بين أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري ترامب ونتنياهو وكل من يسير في ركابهما ويتسابق للتطبيع مع دولة الاحتلال، لأن رهانهم كان على أن الشعب الفلسطيني منقسم بلا قيادة وموقعه في ميزان القوى ضعيف، وأن الفرصة مواتية لهم لتنفيذ مخططاتهم الشيطانية ضد الشعب الفلسطيني.

 

أكد المشاركان في المؤتمر أن الشعب الفلسطيني تقوده منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس أبو مازن، حيث أكد العاروري على موقف الرجوب المعروف قائلاً: "موقف الأخ أبو مازن صلب ووطني وواضح في رفض تقديم أي تنازلات يحاول فرضها الاحتلال وخلفه أميركا، ونثق بالأخ أبو مازن والإخوة في فتح بأنهم لن يتقبلوا فكرة التنازل والقبول بحلول وسط من قبل الاحتلال والإدارة الأميركية".

 

والمهم، أنهما كرّرا القول إن هذا المؤتمر وما قالاه فيه هو موقف كامل أعضاء اللجنة المركزية لفتح وكامل أعضاء المكتب السياسي لحماس وجاء تتويجًا لحوارات معمقة داخل التنظيمين وبين قيادتهما بدأ منذ إعلان ترامب عن نقل السفارة وإعلان الصفقة بينه وبين نتنياهو.

 

إذن هو ليس موقفًا ارتجاليًا وطارئًا، وإنما نتيجة فحص دقيق لخطورة المرحلة وللوضع الفلسطيني والعربي والدولي ومقتضيات مرحلة التحرر الوطني وسلاح الوحدة الوطنية الاساسي والضروري لهزيمة الضم الكلي أو الجزئي، الآني أو المؤجّل، فهو معركة في حرب مستمرة، يراكم فيها الشعب الفلسطيني انتصاراته على طريق هزيمة المشروع الصهيوني وانهاء الاحتلال، التناقض الرئيسي الواجب عدم اغفاله، وإخضاع كل التناقضات الثانوية لخدمة هذا الهدف النهائي لنضالنا في إطار«حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد» التي تأخذ أشكالاً وانماطًا مختلفة في كل مرحلة، على رأسها الآن المقاومة الشعبية السلمية على كل الصعد في الوطن، وتصعيد المواجهة على المستوى الدولي، التي حققنا فيها الكثير، وتم تتويجها بالاعتراف بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة، وفي أكثر من 150 منظمة تابعة لها، ندخلها، فتغادرها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

 

المعادلة لا تحتاج إلا الى تأمل استراتيجي، دولة فلسطين تُخرِج أقوى دولة في العالم كما تظن، وربيبتها إسرائيل، من مؤسسات المجتمع الدولي.

 

كان الرجوب والعاروري واضحين تمامًا في أن هذا الموقف والظهور هو بداية وليس نهاية، لم يقل أي منهما إن الانقسام قد انتهى أو ان الوحدة الوطنية قد تحققت.

 

قال الرجوب بوعي دقيق: "مؤتمر اليوم خطوة أولى باتجاه الوحدة ونحن سنقوم بحراك شعبي وبتجنيد وتأطير كل الأنشطة والفعاليات كشعب واحد ببرنامج سياسي واحد، هذا هو قرارنا وسلوكنا في الميدان ستكون له ارتدادات إيجابية لتسريع إنجاز الوحدة الوطنية".

 

وأضاف: "نريد أن نخرج برؤية استراتيجية كاستحقاق لمواجهة التحديات الحالية مع كافة فصائل العمل الوطني وتابع: نخرج اليوم بصوت واحد، موحدين تحت علم واحد، لإنتاج رؤية استراتيجية لقيادة الشارع نحن وكل عناصر العمل الوطني وفصائل العمل الوطني، بعيدا عن كل التناقضات والترسبات في علاقتنا، ونريد فتح صفحة جديدة وتقديم نموذج لشعبنا".

 

أما العاروري فقد عرض أيضًا موقف حماس الواعي قائلا: "نحن في حماس تحاورنا في الضفة وفي غزة وفي الخارج، ونتج عن هذا الحوار التوافق الذي تقف وراءه كل قيادة الحركتين، ونحن واثقون من نجاحنا لتكون هذه الخطوة مفتاحا للانطلاق لمرحلة جديدة، وسنعمل معا في كل الميادين، نكمل جهد بعضنا ونعزز بعضنا لمواجهة صفقة القرن ومشروع الضم".

 

إذاً يراهن الشعب الفلسطيني على هذا الوعي ويشد على أيدي فتح وحماس للعمل المتواصل من أجل انهاء الانقسام والحوار الواعي لوضع استراتيجية موحدة لخوض معارك حربنا المستمرة مع المشروع الصهيوني، وكان هذا من أهم قرارات دورة المجلس الوطني الفلسطيني الأخيرة، التي قال الرئيس محمود عباس في اجتماعه مع القيادة الفلسطينية إنها قرارات ليست للنقاش وإنما للتنفيذ.

 

ورغم فرحنا بهذا التوجه إلا أننا لا نطمئن إلى الدول القوية التي رعت الانقسام وحافظت على شعلته متقدة تكوينًا وتؤخر مشروعنا الوطني وتهدده، ومن حقنا أن نسأل: هل ستكف عن الضغط وتستسلم لإرادة الوحدة التي عبر عنها القائدان الرجوب والعاروري، وهل ستتبع الطريق الصحيح في دعم قضيتنا والاستجابة لما قاله الرجوب: من يريد أن يدعم القدس والضفة فالطريق يمر عبر عمان، ومن يريد أن يدعم غزة، فالطريق القاهرة، وفي كل الأحوال إنها ليست مطار تل أبيب.

 

في رده على الخوف الذي عبر عنه بعض الصحفيين، قال الرجوب: "ثقوا بنا وهالمرة صدقونا"..

 

نحن نصدقكم ونثق بكم، ولكن من حقنا أن نخاف إلى أن نرى الوحدة الوطنية ناجزة ولا تهددها دول إقليمية لها أهداف لا تتقاطع مع أهدافنا.