للنكبة حكايات وأسرار، لا كيف صنعت، ودبرت أمورها في دوائر الغرب الاستعماري، وإنما كيف كان من الممكن ألا تكون، لو أن بعض عرب تلك الأيام كانوا أكثر التحامًا مع فلسطين، وأقل هرولة وراء الحركة الصهيونية، التي وعدتهم بأنظمة، من عسل الأمن، ولبن النفوذ والسلطة، مقابل السكوت عن مشروعها الاحتلالي لفلسطين، والسكوت على أقل تقدير، وما أشبه اليوم بالأمس.. ولكن.
بالطبع لا يمحو التاريخ ما يدون، وسيأتي الوقت الذي تصبح فيه كل هذه الحكايات وهذه الأسرار تحت الشمس، ونعرف أن شعبنا يعرف بعضا منها ولا شك، وقد تداولها في مرويات جريحة، منذ لحظة النكبة، وما زال يتداولها حتى الآن، ونحن إذ نشير إلى حقيقة هذه الحكايات والأسرار هنا، فهذا لا يعني اننا نريد نبشا في الماضي لتخليق الرغبات الانتقامية أو الانعزالية، ولا نريد من حكايات النكبة وأسرارها أن تسجل إدانات لأحد، التاريخ وحده كفيل بذلك، ولسنا على اية حال  قضاة في محكمته، وإنما نريدها درسًا، وهكذا نراها، وبخاصة على نحو ما كتب الرئيس أبو مازن، بعض حكايات الجرح الفلسطيني، جراء النكبة وأسرارها، في مؤلف له حمل عنوان "ما أشبه اليوم بالأمس ولكن"، والثيمة الأساسية هنا تكمن في كلمة "ولكن" لأنها التي تقول لنا إنَّ ما يريده اليوم بتشبهه بالأمس، لم يعد ممكنا، منذ أن أدرك شعبنا الفلسطيني بحركته الوطنية، أن جرح النكبة هو جرح التحديات الجسيمة، وجرح المعرفة الصائبة، وهذا يعني أننا نقرأ الدرس جيّدًا وما زلنا كذلك، بدلالة أنّنا لم نعد نجري وراء الشعارات الخدّاعة.
وحقًّا ما أشبه اليوم بالأمس، ولكن، وها نحن في الذكرى الثانية والسبعين للنكبة، وقد بتنا نعرف أين نضع أقدامنا، وقد بات لشعبنا سلطته الوطنية، وقبل ذلك باطار أوسع وأجدى، بات له ممثله الشرعي والوحيد، في منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة شجاعة وحكيمة، وتاريخ حافل من العطاء والتضحيات والبطولة، فإنَّ شعبنا بات اليوم على يقين أكثر من أي وقت مضى، أنَّ خلاصه التاريخي من النكبة وجرحها، لن يكون دون العودة، وإقامة دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، وهذا قرار كفاحه المشروع في دروب مسيرته الحرة، الذي لا تراجع عنه ولا مساومة بشأنه، ودائمًا هنا نقطة وأول السطر، وأوله منذ لحظة عيلبون، التي دحرت خيمة اليأس والضياع، هو ما يكتبه عادة وبسطر بليغ، قلم القرار الوطني المستقل، لنواصل كتابة التاريخ الملحمي لشعبنا حتى نصل الى فصله الأخير في الحرية والاستقلال، فصل البهجة الفلسطينية الذي سندون فيه وقائع الاحتفال بالحياة والحرية، ونحن نبدع في برامج البناء والتطور والازدهار.
وهذه هي الطبيعة الفلسطينية المحمولة على التفتح والأمل والتي لطالما اختبرت صلابتها وحيويتها الإبداعية النضالية والإنسانية، ولا تزال تختبرها الصعاب والمخاطر على اختلاف أنواعها فما نالت، ولن تنل من صلابتها شيئا، وما اصابت، ولن تصيب حيويتها بأي سوء، وحتى مع الانقسام الحمساوي القبيح، ما زالت هذه الطبيعة على حالها، لا بل إنها اليوم أكثر صلابة وحيوية وإبداعًا وهي تتصدى لفيروسات شتى، من "الكورونا" إلى الاحتلال ومشروعه للضم الاستيطاني، إلى فيروسات منصات الشائعات التآمرية المدفوعة الأجر، والى فيروسات الانقسام الذي ينضم اليوم الى مشروع الضم الاستيطاني برفض حكامه المشاركة في اجتماع القيادة الفلسطينية مطلع الاسبوع المقبل لبحث سبل مواجهة هذا المشروع الاستيطاني الخطير!!! وطالما يتصدى شعبنا لكل هذ الفيروسات، فأن النكبة لن تكون قدرا أبديا لشعبنا بحكم أنَّ قراره هو ذات القرار، المضي في دروب الكفاح الوطني، حتى اندحار كل تلك الفيروسات، التي لا ولن تتقبلها الطبيعة الفلسطينية، التي هي طبيعة الحياة بحد ذاتها، بقوانينها التي لا تعرف غير التطور والتقدم إلى الأمام، حيث العودة والدولة الحرة المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية.